إن العلاقة بين الصلاة والحياة عموماً هي موضوع رئيسي في شروحات المزامير للقديس يوحنا ذهبي الفم ولا يعسر علينا العثور عليها كثيراً في سائر عظاته الأخرى. فالحياة التي يعيشها الإنسان، والطريقة التي يُعامِل بها رفقاءه مــن بني البشر، ومـا يكمن داخل أعماق نفسه، كل هذه أمور ضرورية للصلاة الناجحة، تماماً مثل أهمية كلمات الصلاة نفسها. كما أنه ليس هناك أسلوب محدَّد للكلمات التي نُرضي بها الله، فمعاني الكلمات والإحساسات التي تقف وراءها هي التي تهم.
وهنا يتضح تأثير رسائل القديس بولس الرسول. فالقديس بولس كثيراً ما تكلَّم عن سلوك الحياة كما يحق للرب، وفي كولوسي 10:1 يصف مثل هذه الحياة بأنها الإثمار في كل عمل صالح. وفي تسالونيكي الأولى 17:5 يحث المسيحيين على الصلاة الدائمة.
وهو في هذا يكرر الوصية في رومية 12:12:
«مواظبين على الصلاة»
، وتصريحه في أفسس 18:6:
«مُصلِّين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح».
أما عن الحياة بحسب مشيئة الله فيوصي الرسول المسيحيين في رومية 2:12: «ولا تشاكلوا هذا الدهر»
(أي لا تعيشوا بحسب هذا العالم)
، ويوبِّخ بولس الرسول مسيحيي فيلبي الذين
«يفتكرون في الأرضيات» (في 19:3).
ويربط القديس ذهبي الفم بين الشرط الخامس لاستجابة الصلاة وبين القديس بولس حينما صلَّى إلى الله أن يرفع عنه الشوكة التي في جسده فلم يستجبْ، بأنها مَثَل للصلاة من أجل ما ليس نافعاً للإنسان.
ومما لا شكَّ فيه أنه كان للقديس بولس تأثير عميق في تعاليم القديس ذهبي الفم. وكثيرة جداً هي إشارات القديس ذهبي الفم في كل كتاباته وفي بعض من باقي أعماله (وإن لم يكن في شروحاته على المزامير) حيث يُسجِّل إعجابه بلا حدود بالقديس بولس.
ويرجع ذهبي الفم إلى القديس بولس ليس بمجرد ترديد نصوص من رسائله؛ بل هو يستغرق في كتاباته فيرجع إلى مضمون مفاهيمه اللاهوتية حينما يتناول موضوعاً مـا.
وكمثال لهذا، مـا نـراه في الشروط الستة لاستجابـة الصلاة. فباستثناء ”الصلاة بـلا انقطاع“ (1تس 12:5)
، فإن باقي الأمثلة المستقاة من رسائل بولس الرسول لا تختص بالصلاة بالذات، بل بوصايا بولس الرسول للسلوك في الحياة المتمثِّلة بالمسيح.
مما يلفت نظرنا إلى أن الصلة بين الحياة المتمثِّلة بالمسيح وبين الصلاة الناجحة هي لفتة يتميز بها القديس يوحنا ذهبي الفم.
وهذه الدراسة قائمة على شروط ذهبي الفم الستة كما يشرحها ليس فقط في تفسيره للمزمور السابع، بل وفي كل شروحاته على المزامير.
وفي هذه الدراسة قسَّمتُ هذه الشروط إلى قسمين اثنين:
الشرطان الأول والسادس مختصَّان بالحياة والصلاة كشرطين لاستجابة الصلاة، والشروط من الثاني إلى الخامس مختصَّة بمضمون الصلاة.
والقديس ذهبي الفم يتكلَّم عن كاتب المزامير باعتباره ”النبي“، وهو ليس إنساناً آخر سوى داود. وتشمل الشروط الستة الحياة بأكملها، وبكلمات القديس يوحنا فإنه لكي تتحقَّق هذه الحياة، فإنه لابد من أن يصحب المزمور القارئ في كل مستوى من مستويات حياته الشخصية.
وحينما يُقدِّم داود باعتباره مؤلِّف المزامير ويرجع إلى الأحداث التي تمَّت في سيرته ليشرح هذه المزامير، فإنَّ ذهبي الفم يُقدِّم داود للقارئ باعتباره شخصاً حقيقياً يتحدث عنه. وهو بهذا يوفِّر لنا تعمُّقاً في نصوص المزامير أكثر مما تعوَّدنا عليه من تفاسير المزامير.