الموضوع
:
موضوع متكامل عن حياة ومعجزات البابا كيرلس السادس بطريرك الكرازة المرقسية الـــــ 116
عرض مشاركة واحدة
13 - 05 - 2012, 05:56 AM
رقم المشاركة : (
6
)
Magdy Monir
..::| VIP |::..
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة :
12
تـاريخ التسجيـل :
May 2012
العــــــــمـــــــــر :
58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات :
51,017
الوحدة
العودة إلى الدير
عاد القس مينا للدير متهللاً ، واجتمع مجمع الرهبان، وحاولوا إقناعه بالعدول عن ولوج الوحدة . خوفاً عليه من مخاطرها الروحية، وقالوا له: "أنت ابن الثلاثينسنة عمراً وسنوات رهبنتك خمسة ، فهل تريد أن تسلك طريق الوحدة الذى فشل فيه قبلك رهبان جاهدوا ثلاثين وأربعين سنة؟ العلك تريد الهروب من المسئوليةسواء كانت بالكلية، أو بالدير هذا فضلاً عن مخاطر جسدية تجعلنا تخشى عليك الإقامة فى مغارة منفرداً بالصحراء، حيث ستهاجمك وحوشها، وحياتها السامةالمهلكة . ولهذا كله نحن لا نوافق البتة على سلوكك هذا الطريق الوعر".
صبر القس مينا على هذه الحملة العنيفة ، ثم ابتدأ يتكلم بهدوء قائلاً: "آبائى واخوتى، إنى اعتز بمحبتكم وغيرتكم على المحبوبة لى . ولكن أتقدم إليكم بالتماس الابنالطائع الخاضع لرأى آبائه الذين ساروا فى طريق العبادة شوطاً بعيداً، ويعلمون من أسرار هذا الطريق التى تتوق نفسى إليها أكثر مما أعلم. ويقينى أن اسم الربيسوع يهيئ لى المسير فى هذا الطريق الضيق المؤدى للحياة لكل طالبيه بضمير نقى، وفكر خال من جميع الشهوات فاطمئنوا كل الاطمئنان ، وسأكون الابنالخاضع بكل قوتى للإرشاد والنصيحة ولن أقدم على عمل أو أسير خطوة دون ان استرشد برأى أبى ورائدى الذى تفضل الله وملأ قلبه محبة ، وحناناً لشخصىالضعيف".
هنا اتجهت الأنظار نحو القمص عبد المسيح المسعودى ليسمعوا رأيه فى الأمر. أما هو فأجاب وقال: "أما من جهة القس مينا ، وخطورة وجوده بالمغارة فاطمئنوابالله. لأنه وليه القوى" وهو بقدرته سيمسك بيده، ويهديه الطريق، وقد اطمأن قلبى لتصرفاته، لأنه يسير فى طريقه بحكمة الشيوخ ، وبقلب مؤمن، وإنى أرىبعين الإيمان أن القس مينا سينجح فى طريقه ، لأنه مفروز من بطن أمه لهذه النعمة، فلا تقفوا فى طريقه حجر عثرة".
وهنا انبرى له شيخ من الأباء غيور، وخاطبه بحدة بدافع محبته للقس مينا ، وقال له: "يا أبانا الست أنت ابن الأربعين سنة فى طريق الرهبنة هل فكرت يوماً أنتسير فى طريق الوحدة؟ أليس من أبنائنا من هم شيوخ بالدير، فهل فكر فى هذا الطريق أحد. أرجوك أن تترك هذا الراهب الصغير وشانه، وانصحه أن يرجع إلىالكلية حتى ينال شهادتها، ويعود لخدمة الدير، حتى يشاء الله ويعطيه رتبة حسنة كمن سبقوه من الآباء".
فأجاب القمص عبد المسيح بروح الوداعة: "دع ابنك القس مينا يسير فى طريقه ، ولا يغلبنك عاطفة الشفقة ، والمحبة فتمنع عنه نعم الله".
ازداد هذا الشيخ المحب حماساً ، وقال له : "لماذا لم تسر أنت هذا الطريق، وكيف تدفع غيرك للمسير فيه ، وهو الطريق الشاق الضيق الذى لا يقوى على السيرفيه إلا من أعانه الله، وأيده بروحه القدوس". فقال القمص عبد المسيح: "إننى احتكم فى هذا الأمر للأخوة، وسأنزل وسينزل القس مينا معى لقرار الأباء".
ساد الصمت برهة. ثم قام القمص شنوده والقمص باسيليوس ، والقمص باخوم، والقمص جورجيوس، والقمص لوقا، وقالوا بلسان واحد "فلتكن مشيئة الرب. وليسلمالقس مينا لعناية الله وإرشاد أبيه القمص عبد المسيح، والله أمين، وعادل سيهديه إلى سبيل البر ويقوده إلى طريق السلامة".
فصرخ القس مينا بصوت الفرح والتهليل: "ليكن اسم الرب مباركاً ها مطانية يا آبائى واخوتى". وسجد لهم ثلاث سجدات اعترفا بمحبته الغالية لهم.
فى المغارة
عاين القس مينا المغارة التى تقرر توحده فيها وهى تبعد عن الدير مسافة ساعة سيراً على الأقدام ، وكانت من قبل سكناً للقمص صرابمون البراموسى رئيس الديرسابقاً، وهى عبارة عن متسع 6×8 متر نقر فى الصخر لعمق ثلاث أمتار، فوجدها تحتاج إلى ترميم ، فنقل إليها جبس من الموجود بالدير بكثرة إذ كان الرهبانيحرقونه ويقومون بطحنه بطاحونة خاصة ونقل إليها الماء، وابتدأ فى ترميم السقف والأرضية والحوائط بمهارة وحذق، وجعل لها باباً يرفع إلى أعلا ، وبعد أنأصبحت صالحة للسكن نقل إليها جميع حاجاته، وطاولة من الخشب ، وجرار فخار للماء، وبعض الأوانى. كما أخذ بعض البقول والدقيق، ولم يأخذ خبزاً حتى لايبقى عنده أكثر من قوت يومه. ثم ودعه الأباء ، وهم يدعون له بالتوفيق، وأخذ عليهم العهود ألا يزوره أحد ، وألا يهتم به أحد. وتعهد هو - كما أمره أبوه - أنيحضر للدير مساء كل سبت ليغسل ملابسه وملابس الأباء الذين أقعدتهم الشيخوخة ، وليتمكن من التقرب من الأسرار المقدسة صباح الأحد.
أستقر القس مينا بالمغارة، ورتب إقامته فيها كترتيب القلاية بالدير ومارس العبادة طبقاً لطريق الوحدة: من مداومة الصلاة وعمل المطانيات ونسخ الكتب، وكانتساعات عمله اليومى عشرون ساعة.
وفى نهاية الأسبوع الأول عاد إلى الدير، وحضر العشية ، وجلس مع آبائه الرهبان ، وحدثهم عن قوة الله التى تسنده. ولما تواترت أسئلة الأباء عما رآه ، وما كابدهمن مشقات قال لهم: "إنى لم أجاهد حتى الدم ، فاطمئنوا". ثم انفرد بعد ذلك بأبيه القمص عبد المسيح كاشفاً له خفايا قلبه، إذ قد عاهده قبل التوحد فى المغارة ألايخالف له رأياً، ولا يخفى عنه أمراً. وكان الرجل يشجع قلبه ويزوده بالنصائح.
واستمر الحال على هذا المنوال، واستراحت قلوب أباء الدير من جهته، إذ كانوا يرونه والسعادة بادية على وجهه ، ولم لا ، وقد صار شريكاً للملائكة فى تسبيح الله، وتمجيد اسمه القدوس.
وكانوا ينتظرون مقدمه إلى الدير كل يوم سبت ليأنسوا به ، ويطمئنوا عليه. وكم كان منظره خاشعاً وهو عائد إلى مغارته حاملاُ الماء والزاد، مرتدياً (زعبوطاً)خشن الملمس، وبيده عصاه يتوكأ عليها أو يعلق عليها حاجاته.
مع مدير كلية اللاهوت بنيويورك
فى أحد الأيام من عام 1933 سمع القس مينا طرقاً على باب مغارته لأول مرة منذ توحده ، وفتح الباب ونظر وإذ بالاعرابى الذى اعتاد أن يراه من حين إلى آخر،معه رجلان أحدهما مصرى والأخر أجنبى، ، فبش لهما. ودعاهما للدخول. فنزلا سلم المغارة بحذر، وأجلسهما على بطانية فرشت فوقها ملاءة بيضاء جديدة نظيفة. وعرفاه بنفسهما: فأحدهما دكتور حسن فؤاد مدير الآثار العربية فى ذاك الوقت، والآخر هو مدير كلية اللاهوت بنيويورك.
ولما دار بينهم الحديث شعر الزائر الأمريكى ان هذا المتوحد يعرف الإنجليزية ، وأراد ان يتحدث معه بها (أجاد الإنجليزية عندما كان يعمل بشركة كوكس شبنج).وكان الأب مينا قبل الرهبنة يجيدها كأحد أبنائها ولكنه اعتذر لضيفه بعدم قدرته على متابعة الحديث باللغة الإنجليزية التى هجرها من مدة طويلة.
قال له زائره : إنى جئت إلى مصر خصيصاً إذ شرعت فى وضع كتاب عن أصل الرهبنة ونشأتها فى مصر، وأنا أحاول التعرف على تعاليم أب الرهبان جميعاًالقديس أنطونيوس، وأباء برية شيهيت ، وأباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العريقة. وقد بذلت جهداً كبيراً فى الاطلاع فى مكتبة البطريركية والمتحف القبطى، كمازرت أديرة وادى النطرون، واقتبست شذرات من هنا وهناك. ولكنى أرى أنها غير كافية . واليوم طلبت من زميلى الفاضل أن نتريض فى الصحراء خارج ديرالبراموس، وسرنا مسافة طويلة دون ما هدف حتى قابلنا هذا الاعرابى، وسألنا هل ترغبون فى زيارة العابد بالمغارة ولو أننا لا نعلم عنك شيئاً، لكن حبالاستطلاع قادنا نحوك.
فجلس القس مينا يروى حياة أباء الرهبنة مثل القديس أنطونيوس والأنبا بولا أول السواح ، والقديس مكاريوس أب برية شيهيت ، والقديس باخوميوس أب الشركة، ثم قرأ عليهما أجزاء من كتب مار اسحق السريانى ، موضحاً لهما فلسفة الرهبنة وطرقها، وكيف يعد الراهب نفسه لنوال المواهب.
واستمر هذا الحديث وقتاً طويلاً والباحث الأمريكى يدون ما يسمع. وفى النهاية قال له أن ما جمعته من معلومات فى شهرين لهو شئ ضئيل جداً بالنسبة إلى ماعرفته منك اليوم.
ولما عزما على الانصراف اخرج الباحث الأمريكى ما فى جيبه من ريالات وعملة فضية أما القس مينا ، قائلاً له : "أن هذه هدية رمزية تذكروننى بها" ولكن القسالمتوحد رفض قبول هذه العطية، وقال: "ما حاجتى إلى هذا المال أن محبته أصل لكل الشرور، وهو معوق طريق الوحدة.ز أرجوك أن ترد نقودك إلى جيبكمشكوراً ، وسيكون هذا مبعث سرورى وراحتى". فنزل الرجل على رغبته ، وأزداد إعجابه به، واحترامه له. أما مدير الآثار العربية فحيا القس مينا تحية حارة،وقال له : "يا أبى لقد رفعت رأس الرهبان ، وشرفت الرجل المصرى، فلك منى تحية حارة، وأرجو أن أبرهن عن عمق تقديرى واحترامى لك يوماً ما". وقدحدث على ما سأذكر فيما بعد. وانصرفا متأثرين بما رأيا، ولكنهما أسفا لرفض القس مينا أن تؤخذ له صورة ليضعها فى صدر الكتاب المزمع إصداره.
لقاء آخر
فى يوم من الأيام أراد الأنبا يؤانس أن يزور القس مينا المتوحد فى مغارته، وكانت تبعد عن الدير نحو الساعة مشياً على الأقدام. وأراد رئيس الدير ومن معه أنيثنوه عن عزمه تجنباً للمشقة، ولكنه لم يستجب لرجائهم وأثناء سيرهم فى الصحراء أرسل رئيس الدير راهباً للقس مينا ليطلب إليه المجىء لمقابلة الأنبا يؤانسفى منتصف الطريق، ويوفر عليه مؤونة التعب. فجاء القس مينا مسرعاً ليقابله، وسجد له وقال له يا سيدى لست مستحقاً أن تتعب لأجلى. ولكن الأنبا يؤانس فطنإلى أن رئيس الدير قد دبر حضور القس مينا، فقال له : لا بل أن أخذ بركة هذا المكان (أى المغارة) الذى صار أرض مقدسة بعرق وجهاد هذا المتوحد. فنزلالجميع على رغبته طائعين. فذهب إلى المغارة ونزل سلمها الضيق، وجلس على فراش القس مينا، وتذوق الخبز الذى كان يعمله يومياً. كما عرفه ترتيب حياتهاليومية. فباركه ودعى له بالتوفيق. وفى العودة إلى الدير سار بمعينه مسافة قصيرة فأشفق عليه الأنبا يؤانس ، وأمره بالرجوع إلى مغارته فأطاع.
الرهبان السبعة
فى أوائل عام 1936 قصد الدير، وكان ذلك اليوم هو سبت العازر وإذ به يرى حركة غير عادية حول الدير، خيول وجمال وجنود ، فدخل مستغرباً ، وعرف أنرئيس الدر حضر ومعه عمدة الوادى، وضابط بوليس وجنود ليطردوا بعض الرهبان، فوضع حاجاته جانباً ، ودخل قاعة الاستقبال بالقصر، فوجد رئيس الديرجالساً فى الصدارة وبجانبه العمده، وضابط البوليس والجنود، وبعض الأباء الرهبان.
فسجدأمام رئيس الدير، وحيا الجالسين، وقال: "يا أبانا إنى جئت لأهنئك بسلامة الوصول، وأسأل عن صحة ما سمعته حول طرد الأباء الرهبان السبعة" فقال له "ياابنى هذا أمر سيدنا، وأنا جئت لأنفذه" فأجابه : "أن سيدنا يحزنه، ويؤلمه طرد الرهبان فى ليلة أحد الشعانين المبارك، فلا يمكن أن يرضى بقطع رجاء أخوة فىالمسيح، وأنت رئيسنا وأب الرهبان وراعيهم ومسئول أمام الله عن المريض والتائه والضال، وبيدك سلطان قوى مستمد من قوانين الرهبنة ، وأحكامها الصارمةالتى تهدى الضال.
أرجوك باسم صاحب هذه الأيام المباركة أن ترجئ أمر طردهم حتى يتقدم أباء الدير بالتماس للبابا يقرر مصيرهم ومحاكمتهم داخل الدير، فلا تطردهم فى هذه الأيامالمقدسة".
ثار الرئيس لكبريائه، إذ كيف يتجاسر قس حديث الرهبنة - وأما هذا الجمع - أن يعترض أوامره ، وشيوخ الدير الأقدم منه لم يفتح أحدهم فاه بكلمة. فقال له"اسمع يا ابنى لا تعارضنى فيما أفعل ، حتى لا تكون خارجاً على طاعة سيدنا. كما انك رجل متوحد لا شأن لك فيما يجرى الآن".
ولكن القس مينا عاد ليقول له: "أسألك يا أبى من أجل المسيح الذى بذل نفسه عنا ان تتمهل، ولنتصرف بما يرضى أرواح آبائنا القديسين ، لأن تعاليمهم تشفع فىالمخالفين ، والخارجين على القانون، وتعطى كل واحد جزاءه دون أن تقطع رجاءه". فثار الرئيس وأمر الجنود أن يخرجوا الرهبان بالقوة، وأر القس مينا أن يبقىبالدير، ولا يعود إلى مغارته حتى يرفع أمره للبابا، لأنه ارتكب جريمة الاعتراض على أوامره .
فأجاب القس مينا قائلاً: "يا أبى لقد وهبت نفسى لخدمة هؤلاء الأباء الذين طردوا بالقوة وبلا رحمة، وسأكون لهم عبداً حتى يعودوا إلى ديرهم أمين بقوة الله".
ارتاع رئيس الدير لما يعلمه من مكانة القس مينا عند البابا ، وشعر أن الحقيقة لابد وأن تظهر. فأوعز للمقدس اسحق ميخائيل وكيل الدير أن يثنى القس مينا عنعزمه، ويقنعه بأنه ما يجب أن تكون له صلة بهذه المسألة، ولا يقحم نفسه فيها. ولكن محاولة وكيل الدير ذهبت سدا.
طرد الرهبان السبعة، ولهم جميعاً ماض مجيد فى خدم الدير وخرج معهم القس مينا مواسياً ومشجعاً. وقصدوا القاهرة ، ونزلوا بمصر القديمة فى دير الملاك القبلى.وكان راعيه رجل فاضل هو المتنيح القمص داود (والد القمص ميخائيل داود) ، فرحب بقدومهم واستضافهم ليلة بالدير كما حضر الأستاذ راغب مفتاح لزيارة القسمينا لما علم بقدومه، وكان معه القمص يوحنا شنوده راعى كنيسة المعلقة ، ومرقص بك فهمى باشكاتب مديرية الجيزة، وكان قبلا باشكاتب مديرية البحيرة ، ولهصلة مودة بآل القس مينا. اهتموا جميعاً بأمر الرهبان ، واستأجروا لهم بيتاً من دورين به عشر غرف، فسكن كل راهب فى غرفة ، وجعلوا واحدة للمائدة ، وأخرىلاجتماعاتهم . وتولى القس مينا أمر شراء الحصر والبطاطين وبعض الأدوات الضرورية ، واستقروا فى مقرهم الجديد حتى يهيئ الله الأمر.
وهنا تظهر صورة حقيقية لعمل نعمة الله فى هذا الراهب الوديع ، كثير الحياء قليل الكلام ، يدل مظهره على المسكنة والضعف، ولكنه شجاع يدافع عن الحقبشهامة.
بادر رئيس الدير بالسفر إلى الإسكندرية لمقابلة البابا، واستأجر لهذا الغرض سيارة من الصحراء بمبلغ كبير حتى يمكنه الوصول للبابا قبل الرهبان وقدم شكواهضد القس مينا، وصوره أمامه بصورة الرجل الخارج على النظام وقوانين الرهبنة، وادعى عليه زوراً أنه هجم عليه ، وأراد ضربه بعصاة غليظة لولا مبادرةالجنود للحيلولة دون ذلك.
دهش البابا، وقال: "لا أكاد أصدق ما تقوله عن القس مينا ، لن كل تصرفاته بحكمة وتدبير، وأنت أول من يشهد له عندى بذلك، فكيف يكون هذا ؟ ثم استدعىشقيق القس مينا الذى كان دائم الاتصال بالبابا فلما حضر وجده على خلاف ما تعود ، وبادره قائلاً: " أن أخاك أتى عملاً يستحق عليه قانوناً" فأجابه: "يا سيدناأبناءك طائعين لإرادتك" . فقال له كيف يدخل فى شئون الدير، ويعترض رئيسه، ويعتدى عليه بالقول، وكاد أن يشجب رأسه بالعصا" . فأجابه "أنا اجهل الأمرولكن أؤكد انه دائماً عند حسن ظنكم به ، كما أن قلبى يحدثنى أن هذا الخبر غير صحيح، وعندما يفحص سيدنا الأمر ستظهر الحقيقة".
فقال له : "لقد أمرت بطرد سبعة من رهبان الدير ، ولما أراد رئيس الدير تنفيذ الأمر ، تعرض له القس مينا".
فأجابه: "إنى أتجاسر وأعرض على مسامعكم ما يجول بخاطرى ، إنى أحب دير البراموس ، الذى تحبه أنت ، وتدعوه دوماً دير البراموس البهى، دير البابا كيرلسالخامس، فيحز فى نفسى، ويحزن قلبى أنا الرجل العلمانى أن أسمع ان الدير طرد سبع شيوخ من الرهبان، وأنى أرجو أن يكون الحكم لك وحدك فى أولادك، ولاتسمح أن يسلموا لعدو الخير للسقوط ، وتقطع رجاءهم".
وبناء على أمر البابا سافر شقيق القس مينا إلى القاهرة ، وفى مصر القديمة قابل الرهبان، وكانت له بهم صلة مودة، وانفرد بالقس مينا، وعلم منه الحقيقة، فأخبرهبضرورة مقابلة البابا الذى حضر إلى القاهرة خصيصاً لمعالجة هذا الأمر . فصمم القس مينا على أن يقابل هو البابا بمفرده أولاً، وبعدها يذهب الرهبان لمقابلته بعدأن يكون البابا قد علم ببواطن الأمور منه ، واشترط ألا يبقى أخوه بالقاهرة، وأن يتركه لمشيئة الله ، فسافر مترقباً ما سيأتى به الغد.
ولما توجه القس مينا إلى البطريركية لمقابلة البابا ، أراد البعض مجاملة رئيس الدير، فقابلوا القس مينا مقابلة غير كريمة ، فلم يكترث بهم ، ودخل الكنيسة أولاًلتقديم الشكر لله ، وبعدها سيكون ما أراد الله . وكان البابا يصلى بالكنيسة الصغرى ، وبعد القداس تقدم إليه القس مينا، فقال له البابا سألقاك فى صالة الانتظار.
وهناك بادره البابا قائلاً فى حدة : "أنت مازلت على أول درجات العبادة، هل خدعك الشيطان، وأراد أن يبعدك عن طريق الخلاص"، فأجابه: "إن سيدى يسوعالمسيح أمين وعادل لا ينسى طالبيه ويحوطهم دائماً بملائكته".
فقال له: "هل تعاليم المسيح تسمح لك أن تتدخل فى أمور ليست لك؟ " فأجابه: "إن الله علمنا أن نجاهد عن الأمانة حتى الدم، والذى لا يدافع عن الحق يكون مثلشيطان. أنا ابن الدير، كيف أرى أموراً تخالف نواميس الدير وتسئ إليه وأقف مكتوف اليدين. لم أقاوم أبى رئيس الدير ولم أسئ إليه، بل بكل احترام وإجلالالتمست منه، من أجل خاطر المسيح الذى جند نفسه لخدمته، ألا يقطع رجاء هؤلاء الأباء ، وأن يحاكمهم بقانون الرهبنة ، ولا يبعدهم عن حظيرة الرجاء فىوقت تذكار دخول سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح أورشليم منتصراً، والكل يفرحون. تضرعت إليه أن يرجئ طردهم من الدير حتى تنقضى جمعة الآلام ، وبعدالتماس مراحم سيدنا".
فقال البابا بشدة: "لماذا تتدخل أنت فى هذا الأمر، وأنت عابد بعيد عن الدير والرهبان؟ " .
فأجابه: "أنى كنت أستحق غضبك لو أهملت الدفاع عن شرف دير البراموس البهى، دير سيدنا، واترك سبعة شيوخ أفاضل لهم ماضى مجيد فى الدير، يطردونشر طردة، ويخورون ، وينقطع رجاؤهم فى مراحم الله، فى جمعة الآم الفادى".
"ألم تثر على رئيس الدير، وكنت تريد تحطيم رأسه بعصاك الغليظة؟" هكذا سأله البابا.
أجاب القس مينا: "حاشا لى يا سيدى أن يصدر هذا الأمر منى، أنى لم أطلب سوى أن ينظر فى أمر هؤلاء الرهبان بعين محبته ورعايته استناداً إلى قوانينالكنيسة". وبكى القس مينا ، فأبكى البابا.
وبعد ذلك هدأ البابا وارتاح جداً بعد هذا الحديث، وقال له : "يا أبونا مينا أنا راضى عنك، وقد عفوت عنهم، فعرفهم ان يحضروا ليأخذوا البركة ويرجعوا الديربسلام".
فقال القس مينا :" أنى التمس منكم أن تشعرهم بعطفك ، فتأمر أحد أبنائكم بإبلاغهم رضاك وصفحك".
وهكذا انتهى الأمر على خير ما كان يرجو القس مينا ويتمنى. وعاد إلى الأباء الرهبان ومعه بعض الحاجيات، اشتراها بما منحه البابا من مال لهم، واندهشالرهبان عندما علموا أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد.
أوفد البابا الأنبا توماس مطران الغربية بهيبته، ومعه القمص صليب ميخائيل إلى هؤلاء الأباء، فحدثهم بخشونة أزعجتهم، ونظروا إلى القس مينا متسائلين، فقدخيب المطران آمالهم . فاستحضروا له كرسياً من الجيران ليجلس عليه، حتى لا تتسخ ملابسه الأنيقة، فابتدأ يوبخهم على خروجهم عن طاعة رئيس الدير فاحتجالأباء على قوله هذا لأنه يتكلم عن غير علم ، وأرادوا ان يقاطعوا جلسته ، ولكن القس مينا انبرى له، واخذ بكلمة بأقوال القديسين وتحدث معه عن التواضعوانسحاق الروح، وكيف يعمل لاختطاف الساقطين وذكر يوم كان راهباً معه بالكلية بحلوان، وكيف كان راهباً متواضعاً فقير الحال، ونبهه إلى ما هو عليه اليوم منعظمة وأبهة الملبس ، وانه يجب أن يستبدل ذلك كله بنعمة الله، وبانسكاب الروح، إذ أن هذه المظاهر ليست مقبولة أمام الله.
أثر هذا الكلام فى نفس المطران تأثيراً بالغاً، وأبكاه كثيراً وأسف على ما بدر منه، واستسمح الأباء الرهبان . وتصافحوا فى محبة ، ثم ودعوه فى النهاية بما يليقبمقامه كأمير من أمراء الكنيسة. ولم ينس هو أن يعطيهم نقوداً أمر بها البابا حتى يمكن لهم العودة إلى الدير.
الأوسمة والجوائز لـ »
Magdy Monir
الأوسمة والجوائز
لا توجد أوسمة
بينات الاتصال لـ »
Magdy Monir
بينات الاتصال
لا توجد بينات للاتصال
اخر مواضيع »
Magdy Monir
المواضيع
لا توجد مواضيع
Magdy Monir
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى Magdy Monir
البحث عن كل مشاركات Magdy Monir