محاذير الإبتعاد عن ناسوت المسيح
عندما يريد الله أن يعطِّلَ القوى كلَّها، كما رأينا في أنماط التأمل التي تحدَّثنا عنها، فمن الواضح أن يفوتَنا هذا الحضور على رغمنا. وعندئذٍ نِعْمَ الفَوات ! ما اسعَدها خِسارةً لتزداد مُتعتنا بما نخالُ أننا خسرناه، لأنّ النفسَ، عندئذٍ، تجتهد بكلّيتها في أن تُحبَّ مَن كَدَّ العقلُ في معرفته، وتحبّ ما لم تفهمْه، وتستمع بما لم يكنْ لها أن تستمتعَ به بهذا القَدْرِ لو لم تخسرْ ذاتها، كما قلتُ، لتربَحَها في حال أحسن. أما ما لا أراه حسناً فأن نتعوَّدَ، بعنايةٍ وبراعةٍ، على أن لا نحاول بكلِّ قِوانا استحضارَ هذا الناسوت المقدّس (جعلَه الربّ حاضراً دوماً)؛ فإنّ النفس في هذه الحال تعيشُ في الهواء، كما يقولون إذ كأنها لا تجد لها سنداً مهما تصوّرت ذاتَها ممتلئة من الله. وإنه لأمرٌ عظيمٌ، ما دُمنا بشراً نعيش على الأرض، أن نأتيَ بسندٍ بشري. هذا هو المحذورُ الثاني الذي تحدّثْتُ عنه؛ أما الأول، فقد قلتُ إنه قِلَّةُ التواضعٍ من النفس إذ تريد أن ترتفعَ قبل أن يرفَعَها الربّ، ولا تكتفي بأن تتأمّل موضوعاً ثميناً كهذا الموضوع، وتودُّ لأن تكون مريمَ قبل أن تكون قد عملت مع مرتا. عندما يريدها الربّ أن تكون كذلك، ولو من اليوم الأول، فلا خوف عليها؛ لكن علينا، نحن، بالإعتدال، كما سَبق وقلتُ، على ما أظن. إنّ شائبةَ قلّةِ التواضع هذه، ولو بدت غير ذاتِ بالٍ، تُحدِثُ أذى كبيراً يعوق التقدُّم في التطلّع. (كتاب السيرة 22).
حذار الهرب من ناسوت المسيح، مثل مريم
أعتقد أن قد صار مفهوماً كم يناسبهم، مهما بلغت روحانيّتهم، أن لا يُمعِنوا في الهرب من الأشياء الجسميّة وكأنَّ ناسوتَ المسيح الكليّ القداسة يؤذيهم. وهم يحتجّون بما قاله الربّ لتلاميذه أن خيرٌ لهم أن يذهب. لست لأطيق هذا. فمن المؤكَّد أنه لم يقل هذا القولَ لأمِّه الكليّة القداسة لأنها كانت راسخةً في الإيمان، وتعرف أنه إلهٌ وإنسان، وهي، وإن كانت تُحبُّهُ أكثر من حبِّهم إياه، فقد كان حبُها كاملاً أيّ كمال فيقوّيها. وما كان الرسل آنذاك راسخين في الإيمان رسوخهم فيما بعد، وكما يجدر بنا أن نكون الآن راسخين. أقول لكنّ، يا أخواتي، إنني أعتبر هذا الطريق خطِراً، وإن الشيطان قد يبلغ به الأمر أن يُفقدكُنَّ التعبُّد للقربان الأقدس
(المنازل السادسة 14،7)
___________________________
المصادر والمراجع
تريزا الأفيلية – كتاب السيرة (بيروت 1986)
تريزا الأفيلية – المنازل (بيروت 1991)
أ. تانكيريه – خلاصة التصوّف المسيحي، ترجمة يوسف فرج، 3 أجزاء. المطبعة الكاثوليكية (يروت 1956).