برهان عملي
تدافع تريزا عن مفهومها للتأمل ببرهانٍ علميّ. فالفرق الكبير بين الله السامي الجلال والقداسة وبين الإنسان الخاطىء والعدم، يجعل الحوار بين الإثنين شاقاً جداً إن لم يكن مستحيلاً. لكن الأهمّ ليس المساواة المستحيلة بين الله والإنسان، بل أن يتبصَّر الإنسانُ في عِظَم حبِّ الله له، وأهميّة صداقة الإنسان لله. والمبتدىء بحاجة إلى أن يتعرّف الطريقة الأنفع له؛ وذلك كلّه يتمّ في التأمل وبواسطته.
مختصر طريقة الإختلاء
الإستعداد العادي: برسم إشارة الصليب وفحص الضمير والإعتراف بالخطايا ومعرفة الذات والإنسحاق أمام الله.
استجماع القوى: تستجمع النفس قواها جميعاً وحواسَّها المشتّتة وتدخل في ذاتها Entrar en sì مع الله المقيم في داخلها (طريق 4،28).
فقد أعلن المسيح في الإنجيل أنّ الثالوث يقيم في المؤمن (يوحنا 14،23). ومن أفضل الوسائل لاستجماع الفكر: كتابٌ صالح، صلاة لفظية، صلاة الأبانا، ممارسة التناول، صورة جذّابة، إغماض العينين، العزلة، الصمت، تركيز الفكر في المسيح...
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ جميع الطرائق التي ذُكرت، قد تساعد على استجماعِ قوى النفس؛ لكن يجب الإقرار مع تريزا أنّ هذا العمل يفوق عادةً طاقةَ الإنسان البشرية.
تمثُّل الذات في حضرة المسيح
هذه الحقيقة الإيمانية الموضوعية تتمثلها المخيّلة قدر المستطاع، وتعبّر عنها تريزا بأسلوبٍ عاطفيّ إذ تقول:
"إذ نرانا وحدَنا فلنبحث عن رفيقٍ، وأيُّهم أحَبُّ إلينا من صحبة هذا المعلّم الصالح؟".
"وإزاء هذا الحضور تتساءل النفس : مَن هي ؟ وإلى مَن تتكلم، وماذا تطلب، وممّن تطلب؟" ( 1 منازل 7،1).
فالإختلاء الذي تدعو إليه تريزا ليس كسلاً فكرياً، يُفرِّغُ الفكرَ من كل شيء، بل تصويب القوى كلِّها نحو الصديق الذي يجذب إليه القوى الروحية والنفسية كلّها، وكلاًّ منها بطريقتها الخاصة. فالحضور أمام هذا الصديق مدعاة للحوار والمناجاة.
وربما يقتصر تأمل الإختلاء على النظر إلى المسيح ينظر إلينا، وتريزا تحثُّ بناتِها على الشخوص إليه، وتثبيت النظر فيه. وبالتركيز على النظر الباطني يصبح تأمل الإختلاء تطلّعاً. أوَليس التطلّعContemplation، النظر إلى طلعة المحبوب نظرة حب؟ فقد بدأ التطلّع ببدء التأمل والإختلاء، شرط أن نستطيع تحمّل قوة نظر الله.
وليس من الضروري إجهادُ المحليّة كثيراً للقيام بهذا الإستحضار، بل يكفي "انتباهٌ بسيطٌ لطيفٌ إلى الله وحده" (أوسونا). ونلاحظ أنّ هذه الطريقة في تأمل الإختلاء تُدخل الطريقة التريزية مباشرة في إطار التطلّع ممارسةً وغاية.
الحوار الودّي
تأمل تريزا هو وقت الحوار أو الحديث الودّي. فلا فائدة من كل الأعمال السابقة إن لم تبلغ بنا الى الحوار.
"فالتأمل لا يقوم على كثرة التفكير، بل على كثرة الحبّ"، وكل ما يدفعنا إلى أن نُحبَّ أكثر، فلنفعلْه (4 منازل 7،1).
وهذا الحوار قد يتمّ بطريقتين حسب الحالة:
عندما تندفع العاطفة يتم الحوار بيُسرٍ فتسكب النفسُ ذاتَها أمام الله.
وقت اليبوسة تجفّ القريحة. ويجب استعمال العقلِ وطاقاته، والمخيّلة وصُوَرِها كي تتَّقد الإرادة، فتبادر إلى الحوار الودّي.
وفي هذا الباب تندرج طرائق التأمل التي ذَكَرَتْها. قهي وسائلُ إنسانية توقظ الحبَّ ليبادرَ إلى الحوار الودّي. والتامل الناجح ليس الوقت الذي فيه تتحقَّق تأملاتٌ دقيقة أو تَتِمُّ الخطوات العمليّة بحذافيرها، بل ذاك الذي أتاحَ لنا ممارسة حبِّ الله. وأفضل السبل لذلك التأملُ في آلام المسيح.