[Mary Naeem]

أغريباس والقرار التعس


قال أغريباس لبولس بعد أن استمع إلى عظته الرائعة : « بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً » ... ثم أعقب ذلك : « فلما قال هذا قام الملك والوالى وبرنيكى والجالسون معهم ، وانصرفوا وهم يكلمون بعضهم بعضاً قائلين إن هذا الإنسان ليس يفعل شيئاً يستحق الموت أو القيود . وقال أغريباس لفستوس كان يمكن أن يطلق هذا الإنسان لم لم يكن قد رفع دعواه إلى قيصر » ( أع 26 : 30 - 32 ) .. فهناك التفسير القديم الذى يظن أن بولس أمسك بأغريباس وقاده فى الطريق حتى وصل به إلى ما يقرب من الخطوة الأخيرة التى إذا خطاها يصبح مؤمناً مسيحياً !! .. ولكن أغلب المفسرين المحدثين يأخذون بالنظرية العكسية ، إن لغة أغريباس كانت ممتلئة بالتهكم والسخرية ، أو كأنما يقول له : وهل تظن أنك بحديث واحد مختصر ، أو فى زمن قصير كهذا أو بهذه السرعة المعجلة المندفعة تستطيع أن تقنعنى بالإيمان الذى تتمسك به وتتعصب له ؟ .. ألست تعلم من أنا ... أنا أثير كلوديوس وصديق نيرون والملك المعروف فى الامبراطورية ، هل مثلى يقبل المسيحية بالصورة التى تحلم بها أو تريدنى أن أقتنع بقبولها !! .. وأيا كان الاتجاه فى التفسيرين وأقربهما إلى الصحة أو الحق ، فمما لا شك فيه أن قرار الرجل كان أتعس قرار أصدره فى حياته !! .. لأنه ماذا يمكن أن يفيده ، مهما كانت أفكاره أو نواياه الجادة أو الساخرة ، أن يسبح فى النهر حتى يقترب من آخر شوط فيه ثم يسقط غريقاً قبل أن يبلغ الشاطئ ، ... قيل إن يختاً ملكياً إنجليزياً لف العالم كله ، وبعد أن قطع رحلته بسلام تحطم فى اللحظة الأخيرة على خليج فى ويلز ، وكان الضابط الأول فيه قد سبق فأرسل إلى زوجته يخبرها برقياً بالوصول ، فاعدت مائدة العشاء فى انتظار زوجها ، وما أن بلغها خبر ضياع اليخت وغرق من فيه ، حتى نهضت على قدميها فى ذهول وأمسكت بيد الرسول قائلة فى فزع وفجيعة : « قريب من أرض الوطن ولكنه فقد » ...
ذهب أغريباس وضاع إلى الأبد ، والرجل الذى قال فى قيصرية لبولس : « بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً » ... ينهض من وراء الأبدية صارخاً فى كل إنسان لا يستطيع أن يقتنص الفرصة قائلا : تحذر لأنى لا أملك الآن إلا أن أقول وللأسف العميق : من المستحيل أن أصير مسيحياً!! .. حقاً « اليوم إن سمعتــم صوتــه فلا تقسوا قلوبكم » ( عب 3 : 15 )