الموضوع: أبشالوم
عرض مشاركة واحدة
قديم 24 - 05 - 2013, 02:29 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,313,425

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: أبشالوم

عجز الموازنة بين العدل والرحمة
كان داود أباً وملكاً في الوقت نفسه، وجاءت ثورة أبشالوم بسبب إفلاسه التام في الموازنة بين مركزه كأب ومركزه كملك فإذا نظر إلى الأمر من وجهة نظر كونه أباً، فقد ضاع منه مركز الملك الذي ينبغي أن يحكم بناموس العدالة، الذي لا يتوقف عند مجرد الناموس الموسوي، بل يرجع إلى ما هو أسبق، إلى أمر الله مع نوح عندما قال: "وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط من يد كل حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان من يد الإنسان أخيه سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه لأن الله على صورته عمل الإنسان"... وإذا عالج الأمر كملك، فإن صرخات قلبه الأبوي لا تطاوعه،.. ومن الملاحظ أن الإنسان قد أدرك هذه الحقيقة، واستقرت في أعماقه ووجدانه، وهو بصدد قضية أعظم وأكبر وأرهب، قضية الجنس البشري كله، وموقف الإنسان المدان أمام الله الذي هو الملك الحاكم العادل والديان، وفي الوقت نفسه هو الأب المحب المشفق العطوف،.. ومحاولات الإنسان المتعددة في شتى الديانات للتوفيق بين الأمرين أضحت عاجزة بالغة العجز، مهما بذل الإنسان من جهد أو معاناة أو تضحية، حتى ولو تقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة أو بألوف الكباش أو ربوات أنهار زيت حتى ولو أعطى بكره عن معصيته ثمرة جسده عن خطية نفسه، وإذا كان قلب الأب في الله يصرخ لإنقاذ الجنس البشري، فإن الله القاضي العادل، لا يمكن أن يتمم هذا الإنقاذ بمجرد التغاضي أو إغفاء البصر، أو الغفران الناقص، كما فعل داود الذي يترك ابنه في المنفى أو يسمح بالمجيء بشرط ألا يرى وجهه أو يمثل في حضرته،... إن الأمر أبعد من ذلك وأعمق إذ أن المصالحة الكاملة لا يمكن أن تتم من غير صليب تلتقي فيه الخطية بالعدالة والمحبة معاً، أو كما يقول الرسول بولس: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصلاحة أي أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه بيسوع المسيح غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة"...
كان داود يعلم هذه الحقيقة بدون أدنى شك، وهو يعجز كملك، ويحار أبلغ الحيرة، ويخشى إذا تغاضى كلية عن خطية ابنه، أن يغضب الله، قبل أن يتهم بالتحيز من ناحية الناس، وإن كنا لا نعلم متى كتب المزمور المائة والواحد، إلا أنه يبدو أنه كتبه تحت إحساس المعركة بين العدالة والرحمة في حياته، أو ربما كتبه وهو يواجه الصراع النفسي القاسي تجاه ابنه أبشالوم "رحمة وحكماً أغنى. لك يا رب أرنم. أتعقل في طريق كامل. متى تأتي إليَّ. أسلك في كمال قلبي في وسط بيتي. لا أضع قدام عيني أمراً رديئاً عمل الزيغان أبغضت لا يلصق بي. قلب معوج يبعد عني الشرير لا أعرفه الذي يغتاب صاحبه سراً هذا أقطعه مستكبر العين ومنتفخ القلب لا أحتمله عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي السالك طريقاً كاملاً هو يخدمني لا يسكن وسط بيتي عامل غش المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني باكراً أبيد جميع أشرار الأرض لأقطع من مدينة الرب كل فاعلي الإثم"... وقد قتل داود العماليقي الذي ادعى أنه قتل شاول بناء على طلبه لمجرد أن يده امتدت إلى مسيح الرب، وقتل ركاب وبعثة الأخوين إيشبوشث وهو نائم نومة الظهيرة،.. وكان السؤال القائم أمام ضميره: أليس من واجبه أن يطبق هذا على أبشالوم دون أدنى استثناء وهذا ظاهر من محاولة المرأة التقوعية التي جاءت بقصة، كقصة ناثان، مع الفارق أن ناثان كان يريد إيقاظ ضميره، أما هي فقد أرادت على العكس أن تعطيه راحة للضمير مبينة أن الموت كالماء المهراق، الذي إذا سكب لا يمكن أن يجمع مرة أخرى من الأرض، والله لا يرضى أن منفيه يطرد عن الحياة بعيداً عنه، وأنه يستحيل تصور موت أخوين معاً> قتل أحدهما الآخر، وذهب الآخر عقاباً على موت القتيل أخيه،.. ومهما يكن من هذا الدفاع الحكيم، فهو أن أثار الرحمة العميقة، فإنه أعجز عن مواجهة العدالة التي ذكرها داود في المزمور المائة والواحد!!... وقد بذر داود بذور الثورة اللاحقة لإفلاسه في التوفيق بين العدل والرحمة!!...
  رد مع اقتباس