إيليا النبى والوداعة وطول الأناة :
نرى هنا أن إيليا النبى لم يغضب من هذه المرأة حين بادرته بهذا القول الذى يبدو منه روح العتاب .. بل أخذ منها الولد فى دعة وصبر وطول أناة عليها ، لأنها حزينة ومرة النفس بسبب موت ابنها .
ان إيمان ايليا النبى النارى رجل البرية بأن الله يستجيب له ، تأكد له ذلك من خبرات روحية ايمانية عميقة سابقة .
استجاب الرب لصلاة ايليا وأعاد الحياة لأبن الأرملة .
ماذا كان موقف المرأة : " هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأن كلام الرب فى فمك حق " – هذا يدل على إيمانها بإله اسرائيل أنه الإله الحى الحقيقى وحده القادر على كل شىء الذى يهب الحياة لكل أحد ... " لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد " ( أع 17 : 28 ) .
إيليا ودعوة إلهية للظهور أمام أخاب :
" وبعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا فى السنة الثالثة قائلا :
أذهب وتراءى لأخاب ،
فأعطى مطرا على وجه الأرض " ( 1 مل 18 ) .
قضى إيليا النبى سنة عند نهر كريث وسنتين ونصف فى صرفة صيدا ...
جاءت الدعوى بالظهور لكى يقدم الله لأخاب فرصة أخرى للتوبة ليس من خلال الكلمات بل من خلال التأديب المر ، بهياج الشعب ضد عبادة البعل وقتل كهنة البعل ، مع تقديم لمسة رجاء قوية حيث يعطى الرب مطرا على وجه الأرض .
لقد انقضت ثلاث سنوات ولا تزال السماء لا تعطى مطرا ، وبدأ الجوع يشتد فى أنحاء السامرة ، كما أن الأودية والأنهار قد جفت مما دفع آخاب أن يتفق مع عوبديا بأن يفترقا كل منهما فى طريق للبحث عن عشب للخيل والبغال لئلا يهلكوا ويموتوا جوعا وعطشا .
بينما كان الشعب فى جوع شديد ، لم يشغل الملك شيئا سوى حياة حيواناته من خيل وبغال ، لم يكن يشغله جوع شعبه .
طلب من المسئول عنها عوبديا أن يشترك معه فى البحث عن ماء فى عيون الماء أو الأودية .
هذا عن الملك ، أما الملكة فكان كل ما يشغلها حتى فى فترة المجاعة أن تبيد أنبياء الرب .
أما الكهنة واللاويون فهربوا ( 2 أى 11 : 13 – 14 ) إلى يهوذا ليخدموا الهيكل هناك . وربما انحرف البعض فأغوتهم إيزابل أن يخدموا البعل وينالوا أجرة عظيمة .
أما أنبياء الرب فغالبا ما كانوا يشهدون للحق على المستوى الفردى أو بين العائلات ، يطلبون الرجوع إلى الله ، لم يكن يوجد لهم موضع لأجتماعات عامة ولا لتقديم ذبائح ، وإنما كانوا يكتفون بالعمل الخفى . شعرت بهم الملكة فسلطت سيفها عليهم لتقتلهم .
وسط هذا الجو الكئيب : لا نعجب من أن يقيم أخاب الشرير هذا التقى وكيلا له ، يثق فيه ويأتمنه على قصره ومملكته ، ففى كل جيل يوجد أناس أمناء خائفو الرب يستخدمهم الله حتى فى وسط الجو الحالك الظلمة .
لم يجد بعض ملوك بابل من يقيمونه وكيلا على كل الأمبراطورية مثل دانيال المسبى ، ولا وجد فرعون من يأتمنه على كل الأمبراطورية مثل دانيال المسبى ، ولا وجد فرعون من يأتمنه على قصره مثل يوسف ، ولا أخاب وجد من هو مثل عوبديا .
النقيضــــــــــان - عوبديا وايليا
إيليا وعوبديا... ( العبد الذى خشى الرب جدا ) 1 مل 18 : 3
+ كان عوبديا مديرا لبيت آخاب ولاقاه إيليا وقال له " إذهب وقل لسيدك هوذا إيليا " .
+ تميز عوبديا بصفات روحية جميلة ولعله كان أحد ال7000 ركبة الذين لم يسجدوا لبعل
+ كان عوبديا يخشى الرب جدا منذ صباه فهو ذكر خالقه فى أيام شبابه وكانت له عشرة حلوة مع الرب .
+ كان مدققا فى كلامه وسلوكه ، فهو يطلق على نفسه عبد برغم أنه كان فى مركز وزير
+ تمسك بالرب رغم وجوده بالقصر الملكى لأشر بيت حيث آخاب وإيزابل ، لم يتخل عن مبادئه الروحية متشبها بيوسف فى قصر فرعون ، ودانيال فى قصر نبوخذ نصر ، وأستير فى قصر أحشويروش فى مملكة مادى وفارس .
+ كان محبا لأخوته أنبياء الرب وكريما معهم وقيل عنه " وكان حينما قطعت إيزابل أنبياء الرب أن عبوديا أخذ مئة نبى وخبأهم خمسين رجلا فى مغارة وعالهم بخبز وماء " .
ربما لم يجد كثير من الشعب خبزا يأكلونه وماء يشربونه بسبب المجاعة ، لكن الله عال خائفيه هؤلاء خلال وكيل الملك نفسه عوبديا . وكما يقول المرتل : " ما أعظم جودك الذى ذخرته لخائفيك وفعلته للمتكلين عليك تجاه بنى البشر " ( مز 31 : 19 ) .
+ لما قابله إيليا طلب منه أن يخبر أخاب ، فخاف عوبديا لئلا روح الرب يحمل إيليا حيث لا يعلم فيتهمه آخاب بالكذب ويقتله فقال " ما هى خطيتى حتى أنك تدفع عبدك ليد آخاب ليميتنى ... وأنا عبدك أخشى الرب منذ صباى .. " .
إيليا أعتقد أن عوبديا كان موافقا على أعمال آخاب وإيزابل وأنه لا يملك الشجاعة لمواجهتهم لذلك دافع عوبديا عن نفسه قائلا " ألم يخبر سيدى بما فعلت " .
ولكن المدهش فى شخصية عوبديا أنه كان ينقصه الشجاعة الأدبية ، وقوة الشكيمة ، وصلابة العود ، والا لما استطاع أن يلبث فى تلك الوظيفة فى خدمة أخاب وايزابل .
لقد كان بطبيعة الحال غير راض عن الحوادث الجارية حوله ، على أنه رأى بأنه لم يكن مطلوبا منه أن يفرض آراءه ومعتقداته الدينية على كل انسان ، كان يرى أنه ليس مسئولا عن تصحيح ما يجرى ! وأنه يجب أن لا يتدخل فيما لا يعنيه ، كان دوره منحصرا فى مساعدة أنبياء اللــــه بطريقة هادئة ، وأن يظل فى مركزه ولو كان فى ذلك بعض الأحيان كسرا لمبادئه .
هنالك فرق بين التقوى السلبية الوقائية ، والتقوى الأيجابية الهجومية ...
لم يفكر عوبديا الا فى منع الضرر الذى وقع ، فانه حمى الأنبياء من سيف ايزابل ، ومن شدة وطأة المجاعة ، وحسنا فعل ، ان التقوى السلبية التى من هذا القبيل فوائد جمة .. أنها تعول البيوت والملاجىء والمخابىء التى يلجأ اليها المضطهدون والمطاردون ...
ولكن العالم يحتاج الى ما هو أكثر من ذلك ، الحاجة ماسة جدا لأمثال ايليا ويوحنا المعمدان ليقفوا فى وجه الأشرار ويوبخوهم على تعدياتهم ويلزمونهم بالخشوع للناموس الذى داسوه .
كان إيليا يتوقع أن كل المؤمنين هم فى مستواه الروحى القوى ، وأن عوبديا له نفس القوة لمواجهة شر آخاب وإيزابل ، ولكن القوة الروحية تتفاوت من الأقوياء إلى صغار النفوس ومن يحسب نفسه قويا اليوم عليه أن لا يغتر لأنه ربما يعثر غدا ، وإيليا نفسه فيما بعد لما هددته إيزابل هرب وطلب الموت لنفسه " من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط " على الأقوياء روحيا أن لا يدينوا الضعفاء " فمن أنت يا من تدين " .
تقابل ايليا النبى مع عوبديا فى الطريق فعرفه عوبديا وخر على وجهه وقال له : أأنت هو سيدى ايليا ؟؟
فقال له : أنا هو ... أذهب وقل لسيدك هوذا ايليا .
" فذهب عوبديا للقاء أخاب وأخبره ،
فسار أخاب للقاء إيليا " ( 1 مل 18 : 16 ) .
لم يذهب الملك لملاقاة إيليا لتقديم توبة عن أعماله الشريرة ، كان هدفه أن يطلب من إيليا إنزال المطر ...
ومع أن روح ايليا كانت محصنـــــة ضد الخوف الا أنه لابد أن يكون قلبه قد امتلأ حزنا اذ رأى الخراب الذى حل بالبلاد ، نحن لا نستطيع أن ندرك تمام الأدراك ، مقدار هول الجفاف الذى حل بالبلاد ، من ذبول جميع أنواع العشب والنباتات ، وانعدام المياة الصالحة للشرب .. ومعاناة الناس والحيوانات من الجفاف ....
لقاء أخاب وإيليا :
عندما تقابل آخاب مع إيليا قال له : أأنت هو مكدر اسرائيل ؟
أجاب ايليا : لم أكدر اسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم .
حين وقف ايليا أمام آخاب لم يرتعد .. بل نطق الروح على فمه كلمة الحق ، ان ايليا النبى الشجاع الذى امتلأ قلبه بمحبة الله ، هذه المحبة الكاملة طرحت الخوف الى خارج ، فلم يخاف من الملك آخاب ، بل تكلم فى جرأة وشجاعة موبخا إياه .
حينما أعلن يشوع عن عاخان أنه مكدر إسرائيل " رجمه جميع إسرائيل بالحجارة واحرقوهم بالنار ورموهم بالحجارة " ( يش 7 : 25 ) . كان أخاب يود أن يعلن ذلك لكى يكون مصيره من الشعب كمصير عاخان .
كان الملك يرتدى ثوبا من الأرجوان أما إيليا فكان ثوبه من جلد الغنم .... أى الثوبين كان أكثر كرامة ؟
الثوب الجلدى لهذا الرجل شق الأردن ..... أحذية الثلاثة فتية وطأت على النار !
عصا موسى شقت البحر الأحمر .... وثياب بولس أبرأت الأمراض !
وما نفع الغنى الخارجى حين يكون الفقر الداخلى عظيما ؟ وماذا يمكن للفقر الخارجى أن يضر إن كان كنز الغنى فى الداخل ؟
قال الرب يسوع لتلاميذه القديسين :
" وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل أسمى ؛ فيؤول ذلك لكم شهادة ، فضعوا فى قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكى تحتجوا . لأنى أنا أعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاومها أو يناقضها " ( لو 21 : 12 – 15 ) .
" موقعــــــــة جـبــــل الكرمـــــــل "
بين الحــــــق ..... والباطــــــــل
بين اللــــه ... والآلهـــة الوثنية
فى معقــــل دارهـــــــــم
" كل نفس تشتهى الحصول على قوة يجب أن تنالها فى خلوة نهر كريت .
فان الأنتصار العظيم على جبل الكرمل يجب أن يسبقه نهر كريت ، وأن نهر كريت لا بد أن يعقبه جبل الكرمل ونحن لن نستطيع أن نقدم شيئا للعالم ما لم نكن قد أخذنا من الله .
ولن نستطيع أن نطرد الشياطين التى تعذب البشر ، وتقود الناس الى السقوط والى الهلاك ، ما لم ندخل مخادعنا ، ونغلق أبوابها ونحنى ركبنا منسحقين أمام الله ونسكب دموعنا ونصرف الساعات فى شركة عميقة مع الله . " .......
عندما ترك ايليا صرفة لا شك فى أن عقله كان خاليا من كل تفكير فى أى خطة معينة يسلكها ، كان يعرف أنه يجب أن يتراءى لأخاب ، وأن المطر قريب على الأبواب ، ربما يكون قد ارتسمت أمام نظره بعض الصور الغامضة عن تلك الصراع العنيف على جبل الكرمل ، ولكنه لم يعرف شيئا على وجه التحقيق ، فقد كان همه محصورا فى أن يهدىء طبيعته الثائرة كفطيم نحو أمه " أنما للــه انتظرى يا نفسى لأن من قبله رجائى " ( مز 62 : 5 ) .
كان ايليا واثقا من أن مذبح البعل سوف لا تقترب منه النار ، وكان واثقا أيضا من أن الرب سوف يحقق ايمانه بانزال نار على مذبحه ، هذا المذبح الذى تهدم ليس بفعل عوامل الجو والطقس ؛ بل بناء على أوامر ايزابل الشريرة ( 1 مل 18 : 22 ) – كيف بذل ايليا كل الجهد للعثور على الأثنى عشر حجرا الأصلية ، التى كانت قد بعثرت فى كل ناحية وتراكمت عليها الرمال ، فقد كان فى شديد الحاجة اليها بعد فترة وجيزة ، كيف كان يسكب نفسه أمام الله . ويقدم الطلبات والتضرعات من أجل الشعب ، ويمنطق ذاته بالصلوات الحارة استعدادا لتلك الموقعة القادمة .
ان استدعاء النار كان يحتاج الى نفس الصلوات الحارة القوية التى تستلزمها اعادة المطر
اذا فاستجابة النار لم يكن ممكنا أن تتم فى ذلك اليوم ان لم يكن قد صرف الأيام السابقة فى مخدعه فى حضرة الله ، والتلاميذ كان يجب أن يقضوا فترة الأنتظار – طيلة الأيام العشرة – فى الصلاة فى العلية قبل حلول الروح القدس ، معمودية النار فى يوم الخمسين .
" فالآن أرسل واجمع إلى كل إسرائيل إلى جبل الكرمل وأنبياء البعل أربع المائة والخمسين ،
وأنبياء السوارى أربع المائة الذين يأكلون على مائدة إيزابل " ( 1مل 18 : 19 ) .
الكرمل : هو سلسلة من القمم المسطحة على جبل ، وكان بالجبل مذبح للرب قديم ومتهدم ، ربما يرجع إلى عصر البطاركة ، فى أقصى شمال غرب الجبل يوجد دير للكرمليت بأسم إيليا النبى .
اختار إيليا النبى هذا الموضع لأن الكنعانيين كانوا يعتقدون بأن جبل الكرمل هو مسكن الآلهة ، كأنه أراد أن يقيم المعركة بين اللـــــه والآلهة الوثنية فى معقل دارهم .
من جانب آخر يمكن للملكة المتعجرفة أن تشاهد المعركة وهى فى قصرها فى يزرعيل . من على جبل الكرمل يمكن لمن لا يقدر على الصعود إليه أن يرى النار النازلة من السماء من بعيد ، ويرى الكل السحابة القادمة من البحر ، فلا يمكن لأحد أن يضلل الشعب بإخفائه حقيقة المعركة .
الأربعمائة والخمسون نبيا كانوا يعبدون البعل مع أخاب .....
وكانت الملكة تعبد العشتاروت ويخدم معها أربعمائة نبيا ، وقد دعوا أنبياء لأنهم يدعون القدرة على التنبوء ومعرفة المستقبل .
وافق الملك على طلب إيليا ، لأن الضرورة كانت ملحة إذ بلغت المجاعة أشدها ، ومن جانب آخر لم يكن الملك متوقعا ما قد يحدث .
" فتقدم إيليا إلى جميع الشعب وقال :
حتى متى تعرجون بين الفرقتين ؟
إن كان الرب هو الله فاتبعوه ، وان كان البعل فاتبعوه ،
فلم يجبه الشعب بكلمة " ( 1 مل 18 : 21 )
كان الشعب يريد أن يعبد الأثنين معا : اللـــــه والبعل ، فقد تلامسوا مع الله فى قوته وحبه وسمعوا ما صنعه مع آبائهم ، ووجدوا فى البعل ملذات ورجاسات . فظنوا أنهم قادرون أن يمزجوا بين العبادتين ، وأن يقسموا القلب بين الإلهين .
خطة إيليا النبى :
طلب ثورين ، احدهما يختاره أنبياء البعل ويقطعوه ، ويوضع على الحطب ، بدون وضع نار ( إذ يعلم إيليا النبى خداع إبليس واتباعه حرص ألا يضعوا نارا على المذبح ) .....
والثور الثانى يقربه إيليا النبى ، فوق الحطب ولا يضع نارا أيضا ...
جاء الأعداد الذى طلبه إيليا النبى لتقديم الذبيحة مطابقا لما ورد فى الشريعة الموسوية ( لا 1 ) .
أصبح كل شىء جاهز : المذبح ، والخشب ، والذبيحة ... ولكن أين النار ؟
كان اللــــه يؤكد قبولـه للذبيحة بإرسال نار من السماء تلتهمها ( لا 9 : 24 ، قض 6 : 21 ) .
بدأ أنبياء البعل طقوسهم بالدعاء بأسم البعل مع الصياح والرقص .. من الصباح إلى الظهر ؛ فلم يكن من مجيب ..
زاد هياجهم وكانوا يقطعون أجسادهم بالسيوف والرماح .. حسب عادة الوثنيين ( وهذه العادة ما زالت موجودة لدى بعض أصحاب ديانات فى العصر الحالى ) ....
وعند الظهر سخر بهم إيليا ( لثقته أنه محفوظ بالعناية الألهية ) وقال : " ادعوا بصوت عال ، لأنه إله لعله مستغرق أو فى خلوة أو فى سفر أو لعله نائم فيتنبه " ( 1 مل 18 : 27 ) .
ترميم المذبح :
" قال إيليا لجميع الشعب :
تقدموا إلى ،
فتقدم جميع الشعب إليه ،
فرمم مذبح الرب المنهدم " ( 1 مل 18 : 30 ) .
" ثم أخذ إيليا اثنى عشر حجرا بعدد أسباط بنى يعقوب الذى كان كلام الرب إليه قائلا إسرائيل يكون اسمك " ( 1 مل 18 : 31 ) .
رمم إيليا المذبح باثنى عشر حجرا بعدد الأسباط ليعلن رفضه التام لأنقسام المملكة ، مؤكدا أن الله هو إله كل الأسباط ، وأن مسرته أن تقدم ذبيحة واحدة عن الجميع .
رقم 12 يشير إلى ملكوت الله على الأرض ، حيث يملك الثالوث ( 3 ) فى كل جهات المسكونة الأربع ، فمحصلة 3 × 4 = 12 يشير إلى كنيسة الله الممتدة من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها ، فيما يلى أمثلة لأستخدام هذا الرقم :
· ضم شعب الله القديم 12 سبطا .
· يحمل رئيس الكهنة على صدرته 12 حجرا كريما ، ويثبت فى ثوبه 12 جرسا إشارة إلى التزامه بالشهادة الحية أينما وجد ( خر 28 ) .
· وضع موسى 12 حجرا عند سفح الجبل ( خر 24 : 4 ) .
· اختار السيد المسيح 12 تلميذا .
· مدينة أورشليم العليا لها 12 بابا ، ثلاثة أبواب من كل جانب .
رتب إيليا الحطب وقطع الثور ووضعه على الحطب فوق المذبح ، أمر بإلقاء 12 جرة ماء على المحرقة والحطب .... حتى لا يعطى فرصة لأدنى شك فى النار هى من قبل الرب .
الدعوة للرجوع الى الله الواحد
طلب إيليا من الله أن يتمجد بكونه إله إبراهيم واسحق واسرائيل ، لم يطلب إيليا مجده الذاتى بل مجد الرب :
" استجبنى يارب استجبنى
ليعلم هذا الشعب انك انت الرب الإله
وانك انت حولت قلوبهم رجوعا ،
فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب
ولحست المياة التى فى القناة " ( 1 مل 18 : 37 – 38 ) .
قال داود النبى فى المزمور :
" ليستجب لك الرب فى يوم الضيق ، ليرفعك اسم إله يعقوب ، ليرسل لك عونا من قدسه ومن صهيون ليعضدك .. ليذكر كل تقدماتك .. ويستسمن محرقاتك ، ليعطيك حسب قلبك ويتمم كل رأيك .. نترنم بخلاصك وبأسم الهنا نرفع رايتنا ، ليكمل الرب كل سؤالك " ( مز 20 : 1-5 )
كانت تقدمته طاهرة ، على مذبح الرب المقدس ، قدمها بقلب نقى ، وهذه الصعيدة الطاهرة اقتبلها الرب .
استجابة الرب كانت بعلامة أكيدة وواضحة ظاهرة أمام الجميع .. لتمجيد اسم الرب القدوس أمام عيون الشعب ...
احتراق المحرقة : علامة قبول الله للذبيحة
احتراق الحطب : يشير إلى رغبة الله ألا يبقى فينا عمل يحترق بالنار
احتراق الحجارة : فإنه يود أن يكون شعبه كله ( 12 حجرا ) ذبيحة حب له ، كما يقدم نفسه ذبيحة حب لفدائهم .
احتراق التراب : فإنه يريد أن ينتزع عنا ترابنا ليقيم عوضا عنه سمواته .
لحس المياة التى فى القناة : فهو يطلب قلوبا لا تغطيعا مياة العالم بل ملتهبة بنار الروح .
كان يمكن للنار التى أكلت التقدمة والحجارة والحطب والتراب ... أن تمتد أيضا لتأكل أنبياء البعل والشعب العاصى .. ولكن رحمة اللــــه واسعة ، فهو يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ....
أراد اللـــه من الشعب أن يتولى أمر أنبيائه الكذبة ، أنبياء البعل ، ليكونوا عبرة للآخرين ، وذكرى لا تنسى للشعب .
قوة عمل الصلاة هى سر النصرة ،
وهدم حصون الأعداء ،
ثم طلب ايليا من الشعب أن يمسكوا الأنبياء الكذبة ولما فعلوا ذلك نزل بهم عند نهر قبشون وذبحهم هناك عقابا لهم على كفرهم وكذبهم ونفاقهم ، ومشورتهم التى كادت أن تتسبب فى هلاك الشعب كله .
لقد اصدر ايليا أمرا باعدام أنبياء البعل .. لقد كان عملا مروعا ذلك الذى أتاه ايليا ، ولكن ماذا كان يستطيع أن يفعل ؟ لقد كانوا شديدى الخطر على مصالح شعبه ، ولو كان قد عفا عنهم كان هذا معناه ترخيصا لهم لينفثوا سمومهم وينشروا عوامل الأرتداد ، اذا كان لا بد من قتلهم . لهذا صدر الأمر من بين تلك الشفتين الشديدتى المراس " امسكوا أنبياء البعل ولا يفلت منهم رجل " .
أما الشعب فكان فى حالة تلزمهم بالطاعة الكاملة ، لقد ادركوا كيف كانوا مخدوعين بدرجة مزرية لذلك التفوا على الأثر حول أولئك الأنبياء الذين امتلأت قلوبهم ذعرا وخوفا ، والذين رأوا أنهم عبثا يحاولون أن يفلتوا من أيديهم وتأكدوا أن ساعتهم قد جاءت .
وعندما مات آخر واحد منهم ، أدرك ايليا أن المطر ليس بعيدا ، ولعله سمع أصوات السحاب وهى مسرعة على البلاد ، لأنه علم – ما يجب أن نتعلمه جميعا – أن اللـــه لا يمكن أن يبارك الأرض أو القلب طالما كان فيه ما ينازعه وينافسه .
ليت الله يطهر قلوبنا من كل ما ينافسه ، ويهبنا ايمان ايليا ، لكى نتقوى نحن أيضا ونفعل المعجزات .
طلبة البار تقتدر كثيرا فى فعلها
رأى ايليا أنه لا داعى للمجاملة لأن الله قد تمجد فى وسط شعبه لذلك طلب من الرب المطر .... وإذ عرف ضعف شخصية آخاب واهتماماته العالمية بالطعام والشراب أكثر من خلاص نفسه ، لذلك قال ايليا لآخاب اصعد كل واشرب لأنه حس دوى مطر .
فصعد آخاب ليأكل ويشرب ، وأما إيليا فصعد الى رأس الكرمل وخر الى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه سجد الى الأرض ، علامة الأنسحاق والتذلل .
نحن لا نكاد أن نراه لأنه قد نسى شخصيته ، وارتمى على الأرض فى تلك الهيئة العجيبة ، لقد وقف منتصبا كبلوطة باشان قبل ذلك ببضع ساعات ، أما الآن فاننا نراه يحنى كالأسلة رأسه ...
حين ننسحق قدام الرب ، الرب ينظر الينا ويستجيب لطلباتنا المقدمة المرفوعة من قلوب منكسرة وأرواح منسحقة . " القلب المنكسر والمنسحق يا اللـــه لا تحتقره " ( مز 51 : 17 ) .
انقطع المطر ثلاث سنين وستة أشهر ، وكان ذلك بصلاة ايليا ، ثم صلى أيضا بلجاجة وبالحاح .. فأعطت السماء مطرا وأخرجت الأرض ثمرها .
ان استجابة اللـــه لمواعيده لم تعط لنا لكى نكف عن الصلاة ! بل بالعكس لكى تحثنا على زيادة الألحاح فى الصلاة ، انها تبين لنا الأتجاه الذى ينبغى أن تتجه اليه صلواتنا ، والى أى مدى ننتظر الجواب ، هى القالب الذى فيه نصوغ صلواتنا الحارة بلا خوف ولا وجل
" وقال لغلامه : اصعد تطلع نحو البحر ،
فصعد وتطلع وقال : ليس شىء ،
فقال : ارجع سبع مرات ،
وفى المرة السابعة قال :
هوذا غيمة صغبرة قدر كف إنسان صاعدة من البحر ،
فقال : اصعد قل لآخاب اشدد وانزل لئلا يمنعك المطر " ( 1 مل 18 : 43 – 44 ) .
الغيمة الصغيرة التى رآها إيليا قادمة من البحر تشير إلى تجسد الله الكلمة الذى صار كغيمة صغيرة تخفى مجد لاهوته ، قادمة إلى عالمنا لتفيض علينا بمياة الروح القدس . إنه يحول قفر قلبنا إلى فردوس مثمر !
+ + +
كيف سقط الجبـــــــــار ؟ ( 1مل 19 )
هروب إيليا إلى بئر سبع
الهروب من وجه الشر :
اخبر أخاب زوجته ايزابل بما فعله إيليا ، وكيف قتل كهنة البعل ، فثارت جدا وقررت قتله ، اضطر أن يهرب إيليا إلى بيت سبع التى ليهوذا ، حيث عاله ملاك هناك .
تهديد ايزابل لإيليا النبى بالقتل :
" فأرسلت ايزابل رسولا الى ايليا تقول
هكذا تفعل الآلهة وهكذا تزيد إن لم اجعل نفسك كنفس واحد منهم فى نحو هذا الوقت غدا " ( 1 مل 19 : 2 )
هرب ايليا من وجه ايزابل ، ولم يجد من الشعب الذى آزره فى ذبح الأنبياء الكذبة ، ما يشجعه على مواجهة الشريرة الطاغية ، التى ما زالت تمسك بزمام الأمور فى الأمة كلها .
لم يكن وجود ايليا ضروريا بقدر ما كان فى ذلك الحين ، لأن التيار انقلب ، وسار فى اتجاه اللــــه ، وكان وجود ايليا ضروريا جدا لكى يتزعم القيادة ، ولكى يحفظ الشعب فى امانتهم لألههم الذى أختاروه لعبادتهم ، ولكى يتمم بسياسته الأنسانية سياسته الأصلاحية .
كنا نتوقع أن يستلم رسالة التحذير من ايزابل بفتور ولا مبالاه ، ويجيبها كما أجاب ذهبى الفم – فى فرصة مماثلة – على الأمبراطورة يودوكسيا : " اذهب وقل لها أنى لا أرهب شيئا سوى الخطية " ....
يرى البعض أن إيليا النبى لم يهرب خوفا من ايزابل وشرها وإنما لأجل نفسه أو لأجل حياته مع الرب ، فإنه سار فى البرية مسيرة يوم واشتهى الموت ، فقد شعر بالحاجة إلى عون إلهى لأن مقاومة عبادة اللـــــه كانت عنيفة للغاية .
" ثم سار فى البرية مسيرة يوم حتى أتى وجلس تحت رتمة ،
وطلب الموت لنفسه ،
وقال : قد كفى الآن يارب ، خذ نفسى ، لأننى لست خيرا من آبائى " ( 1 مل 19 : 4 ) .
كان ايليا تحت الرتمة شيئا يختلف تماما عن ايليا فوق جبل الكرمل ، هى النفس البشرية المتلونة والتى لا تثبت على حال ، فهى تارة فى أعلى جبال الشركة مع الله ، ثم لا تلبث أن تهوى تارة أخرى الى بالوعة اليأس .
كان سقوط ايليا محزنا جدا ، وكفى أنه وصم حياته بعار لا يمحى ، وشل نهضة من أقوى النهضات التى رأتها أرض اسرائيل ! والتىكان يرجى منها خير أوفر ، وبعث الرعب واليأس فى قلوب الألوف الذين كانوا قد بدأوا يشحنون عزائمهم من غيرته المتقدة ،
ولعل جوقة من الملائكة قد اصطفت حول النبى الشارد ، وهو منطرح على الرمل ، وانشدت مرثاة كتلك التى أنشدها مرنم اسرائيل الحلو لدى موت شاول ويوناثان فى موقعة جلبوع : " كيف سقط الجبابرة فى وسط الحرب ، يا رجل الله قد سقطت على شوامخك ، قد تضايقت عليك جدا ، كيف سقط الجبابرة وبادت الآت الحرب " ( 2 صم 1 : 19 ، 25 – 27 ) .
محبــــة اللــــــه فى ثباتها
ولكن شكرا لله الذى أرسل ملاكه اليه تحت الرتمة ، دون أن يناقشه فى شىء ، فقد كانت نفسه ممتلئة بالمرارة والأسى واليأس والقنوط ، والتوتر يملأ عواطفه ، والأنفعال لا يعطيه أية فرصة للمناقشة الهادئة الساكنة ، وكان علاج الله لنفسه أن يطعمه ويريحه ، حتى يهدأ ويسكن ، قبل أن يتكلم اليه أو يحاجه أو يسأله .
وهى الحكمة الالهية التى ينبغى أن نتعلم منها ، كيف نعالج الثورات النفسية عند الآخرين .
الأفضل أن ننتظر ، حتى تستريح أحسادهم ونفوسهم ، قبل أى حديث أو مناقشة .... كان عمل الله الوحيد أن يطعم ايليا ويريحه ، وينتظر أربعين يوما قبل أن يناقشه على جبل الله حوريب .
+ هددت ايزابل إيليا بقتله ، فهرب إلى بئر سبع وتحت رتمة طلب الموت لنفسه ولكن الرب أرسل له ملاكه بكعكة وماء وسار بقوة تلك الأكلة 40 يوما حتى جاء لجبل الله فى حوريب الذى نزلت عليه شريعة موسى . جاءت ريح عظيمة .... ثم زلزلة ... ثم نار ولم يكن الرب فيها ثم كان صوت خفيف منخفض يقول له " ما لك ههنا يا إيليا " فى ضعف ويأس اشتكى النبى شعب إسرائيل فأمره الرب بالرجوع وأن يمسح حزائيل ملكا على آرام وياهو بن نمشى ملكا على اسرائيل وإليشع بن شافاط نبيا عوضا عنه وقال الرب " وقد أبقيت فى اسرائيل 7000 ركبة لم تجث للبعل وكل فم لم يقبله .
+ + ما أعظم الفرق بين الرب يسوع المسيح الذى قال على الصليب " يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " ، وبين كل من :
إيليا الذى أشتكى شعب إسرائيل إلى الله ،.........
وكذلك داود النبى الذى أوصى أبنه سليمان – وهو على فراش الموت - بقتل يوآب بن صروبة ، وشمعى بن جيرا البنيامينى .....
ويونان النبى الذى اغتاظ أن الله رحم شعب نينوى ولم يفنها ...
وتلاميذ السيد المسيح – يعقوب ويوحنا ( لو 9 : 54 ) الذين طلبوا من يسوع أن تنزل نار وتأكل المدينة ....
يالعظم محبة اللــــــه ولطفه نحو البشر .
* على جبل اللــــــه حوريب ( 1 مل 19 : 9-21 )
" وكان كلام الرب اليه يقول : مالك ههنا يا ايليا " .( 1 مل 19 : 9 ) .
من الغريب أنه فوق جبل الله حوريب فى سيناء أدرك ايليا الحقيقة التى غابت عنه طويلا ، إن الصوت المنخفض الخفيف ، وليس صوت الريح أو الزلزلة أو النار ، هو الأكثر تأثيرا وقوة وفاعلية ، فإن الثلاثة أصوات الأولى ليست فى حقيقتها سوى الممهد للصوت الأقوى والأعمق ، والأبعد أثرا ، صوت الحب والحنان والرحمة والأحسان والجود والغفران .
وفى لغة أخرى هو صوت الصليب ، الصوت الذى تحدث به موسى وايليا مع المسيح فوق جبل التجلى : " واذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وايليا ، اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذى كان عتيدا أن يكمله فى أورشليم " ( لو 9 : 30 ، 31 ) . لقد اهلك الله العالم بالطوفان أيام نوح ، وأباد الله سدوم وعمورة بالنيران ، وذبح ايليا أنبياء البعل ، ومع ذلك فالخطية لا تزال تفتك بالبشر ، وهى فى حاجة الى أصوات أخرى .
عاد ايليا انسانا من حوريب ، يختلف الى حد بعيد ، عما كان عليه أولا .
عاش ايليا سنواته الأخيرة أهدأ وأجمل وأقوى ، وأخذ يشرف على مدارس الأنبياء .
انها لحقيقة خطيرة : أن خطية واحدة قد تكون سببا فى تعطيل خدمتنا وأيقاف نفعنا فى كل أيام حياتنا ...
مسح اليشع نبيا :
بلا شك استراح قلب إيليا حين دعاه الرب ليمسح أليشع نبيا عوضا عنه ، فالخادم الحى يفرح ويسر بامتداد الخدمة بعد خروجه من العالم .
" فذهب من هناك ،
ووجد اليشع بن شافاط يحرث وأثنا عشر فدان بقر قدامه وهو مع الثانى عشر ،
فمر إيليا به وطرح رداءه عليه ،
فترك البقر وركض وراء إيليا وقال :
دعنى أقبل أبى وأمى وأسير وراءك ،
فقال له اذهب راجعا ، لأنى ماذا فعلت لك ، ( 1 مل 19 : 20 ).
لم يرد ايليا هذا التأجيل إذ قال له : " اذهب راجعا ، ماذا فعلت لك ؟ " كأنه يقول له : " لم أدعك للعمل النبوى ، بل الله هو الذى دعاك فلماذا تؤجل البدء فى العمل ؟ لترجع إن أردت لا لتودع والديك فحسب بل وتبقى مع أصدقائك وأرضك "
ولعله قال هذا لكى يؤكد أن الدعوة ليست إلزامية ، فالله لا يكره أحدا على خدمته ، ليرجع ويختار بكامل حرية إرادته الطريق الذى يبتغيه .
" فرجع من ورائه وأخذ فدان بقر وذبحهما وسلق اللحم بأدوات البقر ،
وأعطى الشعب فأكلوا ،
ثم قام ومضى وراء إيليا ، وكان يخدمه " ( 1 مل 19 : 21 ) .
كان اليشع غنيا جدا ، وعندما رجع لا ليفكر فى قبول الدعوة أو رفضها ولا فى اختيار الوقت للبدء فى العمل ، بل للحال ذبح كل الثيران التى للمحاريث الخشبية واستخدم المحاريث حطبا وقدم طعاما للشعب .
هكذا أراد أن يصفى كل أموره المادية الأرضية ليتفرغ للخدمة .
من وحى 1 ملوك للقمص تادرس يعقوب
لأراك على جبل حوريب
+ عند سفح الجبل عسكر الشعب .. فرأوا الجبل يحترق والدخان يملأ السماء .
الصخور تزلزلت ، والريح العاصف مملوء رهبة ورعبا ..
أما موسى فكان على الجبل يتسلم من يديك شريعتك ..
كانت قلوب الشعب تهتز مضطربة جدا ..
وكان قلب موسى يهتز طربا ، إذ التقى بخالقه المحبوب ...
+ على ذات الجبل التقى بك إيليا النبى .. حدث ريح عاصف وزلزلة ونار ..
ولكن وسط الصوت الهادىء الخفيف تمتع بالحوار معك ، نسى إيليا مقاومة ايزابل له ،
زال اليأس من قلبه ، وأدرك القلة القليلة المقدسة لك ،
لقاؤه معك ملأ قلبه رجاء ، فتح أبواب السماء أمام عينيه .
+ نزلت يا إلهى إلى أرضى ، ولدت فى مزود حتى أتمتع برؤياك ...
لا أعود أسمع صوت ريح عاصف .. ولا ارتبك من زلزلة ، ولا أخشى نارا ،
فإن إله الطبيعة جاء إلى لا يصيح ولا يسمع أحد صوته ..
لأراك فى داخلى وأتمتع برؤياك .. أدخل معك فى حوار حب لا ينقطع ..
أنسى وادى الدموع ، ولا أخشى الأحداث ، اتمتع بك ياشهوة قلبى .
+ + +
قتــــــل وورث
* لقاء ايليا النبى بأخاب الملك عند نابوت اليزرعيلى
" وحدث بعد هذه الأمور أنه كان لنابوت اليزرعيلى كرم فى يزرعيل بجانب قصر أخاب ملك السامرة :
" فكلم أخاب نابوت قائلا :
اعطنى كرمك فيكون لى بستان بقول ،
لأنه قريب بجانب بيتى ،
فأعطيك عوضه كرما أحسن منه ،
أو إذا حسن فى عينيك أعطيتك ثمنه فضة ، فقال نابوت لأخاب :
حاشا لى من قبل الرب أن اعطيك ميراث آبائى " . ( 1 مل 21 : 1 – 3 ) .
بعد أربع سنوات أو خمس من القضاء على أنبياء البعل ، عاد الشر الى جولة أخرى فى مواجهة مع الخير ، والظلم والأستبداد أمام الحق الإلهى .
كان آخاب الملك يزداد سوءا ومصيره يزداد بشاعة ، ذهب آخاب الى كرم نابوت ليرثه ، بعد المؤامرة التى دبرتها زوجته ايزابل الشريرة للتخلص من نابوت اليزرعيلى الذى رفض اعطاء الكرم لآخاب ميراثه الذى أخذه عن آبائه واجداده بقوله : " لا أعطيك ميراث آبائى " 1 مل 21
والتقى به ايليا هناك ليقول له : " هل قتلت وورثت أيضا " ( 1مل 21 : 19 ) .
1- ميراث رهيب
والحقيقة المحزنة هى أن الميراث الرهيب من الجائز أن يصل اليه الأنسان فى أرض الفساد والظلم ، رغم كافة الحواجز التى يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو تخطيتها بكل قوة وعنف ... طلب آخاب كرم نابوت لكى يحوله إلى بستان بقول ، وقال له انى مستعد أن أعطيك ثمنه أو كرما أحسن منه ، وكان ممكن لنابوت أن يرضى لولا أن الشريعة تمنع ذلك إذ لا يجوز لإنسان أن يتصرف فى ميراث آبائه .
سخرت ايزابل من زوجها آخاب لعدم قدرته على التصرف – حتى ولو بالظلم – وهذا المشهد يتكرر كثيرا فى الحياة ، وهذا المنظر المأساوى يحدث كثيرا بين بنى البشر .
قال السيد : " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى الى الهلاك ، وكثيرون هم الذين يدخلون منه " ( مت 7 : 13 ) .
قد ينجح الشر فى الجولة الأولى من المعركة ، ولكنه هيهات أن يكسب المعركة .
2- ميرلث مخجل
اننا نقيس أمورنا لا على حساب حاجاتنا ، بل على حساب جيراننا ، اذ لا أريد أن يظهر مجد آخر الى جانب مجدى ، أو سلطان آخر بجوار سلطانى أو نفوذ الى جانب نفوذى ، وكل بساتين الدنيا أو كرومها لا تساوى البستان الصغير الذى يملكه جارى .... يا له من طمع مخجل ! .. بل يا له من ميراث قبيح ! ...
ذاك الذى لا أستطيع الحصول عليه إلا بالكذب والخداع والغش ، وايزابل الشريرة كتبت رسائل بأسم آخاب وختمتها بخاتمه وأرسلت الرسائل الى الشيوخ والأشراف الذين فى مدينته الساكنين مع نابوت ، ليشهدوا أنه قد جدف على أسم الله وعلى الملك ، ثم أخرجوه ورجموه !! ..
نفس التهم تكررت مع السيد له المجد : فقد وقف رئيس الكهنة ليعلن " لقد جدف ، ما حاجتنا بعد إلى شهود " ! والتهمة الثانية أنه يقاوم قيصر ( الملك ) ... وأخرجوا البار خارجا وعلقوه على الصليب !!!! ....
الفرق الوحيد أن زوجة بيلاطس الأممية أقرت ببراءة السيد المسيح ... بينما ايزابل الأسرائيلية كانت هى المحرضة على القتل ! .
3- ميراث مقلق
ذهب أخاب ليستمتع بالكرم الذى ورثه ، ولعل الكرم كان جميلا ظليلا ، وكانت عناقيده حلوة ولذيذة ، وكان موقعه بديعا ، وأخاب يستطيع أن يمتع نظره ، ويذهب اليه ليستظل به من حر النهار ، بل يستطيع أن يأكل منه ما يشاء دون أن يمنعه أحد ، هل أستراح الملك ؟
لقد أضحت الظلال ظلاما ، والعناقيد علقما ، والكرم سجنا رهيبا ، اذ سمع صوت الله العادل هناك !!
" هل قتلت وورثت أيضا " ؟ !
" هل أكلت من الشجرة التى قلت لك أن لا تأكل منها "؟...
" أين هابيل أخوك ؟ ......
أنه نفس الصوت يتكرر فى كل جيل ...
الرضا على الظلم ، هو بعينه الظلم ، والقتل بأمر أخاب أو بأمر ايزابل أو بأمر الشيوخ ؛ هو الدم الذى يتحمله أخاب أولا وأخيرا !!
لم يتمتع الرجل بالكرم كما كان يشتهى ، لأنه فى قلب الكرم سمع عن مصيره المفجع ، ومصير بيته .
" هكذا قال الرب : فى المكان الذى لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضا " ( 1 مل 21 : 19 )
" من مات لآخاب فى المدينة تأكله الكلاب ومن مات فى الحقل تأكله طيور السماء " . ( 1 مل 21 : 23 – 24 ) .
وتكلم الرب عن ايزابل أيضا قائلا : إن الكلاب تأكل ايزابل عند مترسة يزرعيل .
وعندما سمع عقاب الله على فم ايليا النبى بسبب قتله نابوت ليرث حقله ، جعل مسحا على جسده وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت " .
غير أن هذا الحزن لم يكن ندما على الخطية ، بقدر ما هو خوف من العقاب الصارم الذى سيلقاه . فماديته جعلت قلبه لا ينشغل بالله ، ومع هذا نجد أن الله يتراءف عليه قائلا للنبى :
" هل رأيت كيف اتضع أخاب أمامى ، فمن أجل أنه قد اتضع أمامى لا أجلب الشر فى أيامه بل فى أيام ابنه أجلب الشر على بيته " ( 1 مل 21 : 28 ، 29 ) .
الله يطيل أناته على الأنسان لكى يتوب ويرجع فينال الرحمة والغفران من عند الرب ، ولكن حينما يقسى الأنسان قلبه ويتصلت ويصر على عناده ولا يفيق من غفلته ويرجع عن طريق ضلاله بالتوبة والندامة فتكون النتيجة الهلاك .
لقد تمت كل التهديدات التى نطق بها ايليا ، صحيح أن أخاب أجل اتمامها بتوبة جزئية دامت ثلاث سنوات ، ولكنه فى نهاية تلك المدة عاد الى طرقه السريرة ، فتمت كل التهديدات بحذافيرها ، اذ أنه جرح بقوس غير متعمد فى راموت جلعاد " وجرى دم الجرح الى حضن المركبة " ولما غسلت المركبة فى بركة سلوام لحست الكلاب دمه .
وبعد عشرين عاما عندما أرسل ياهو ليفتقد جثة ايزابل لدفنها " لم يجدوا منها الا الجمجمة والرجلين وكفى اليدين " أما الباقى فقد التهمته الكلاب المفترسة ، اذ كانت الجثة منطرحة فى نفس المكان الذى قتل فيه نابوت ( 2 مل 9 : 35 ) ، لتشهد أن الحسن غش والجمال باطل والشهوة فانية ، وأن الحكمة البشرية تغرق صاحبها فى العطب والهلاك .
أما جثة يهورام أبنهما فقد تركت فى نفس المكان دون أن تدفن ، كأمر ياهو الذى لم ينس قط تلك الكلمات الرهيبة .
.... وحقا قيل " لأن فوق العالى عاليا يلاحظ والأعلى ( أى الرب ) فوقهما " ( جا 5 : 8 )
وهنالك أيضا – فى الأيام التالية – هزمت جيوش اسرائيل شر هزيمة مرارا ، وتشبعت الأرض بدمائهم يقينا أن اللــه صادق ليس فقط فى مواعيده بل أيضا فى وعيده .
لقد تمت حرفيا كل كلمة نطق بها ايليا ، لأن الله صادق على كل كلمات عبده وقد أيدت الأيام المتعاقبة صدقه مرارا .
أخزيا يخلف والده أخاب
" أخزيا بن أخاب ملك على اسرائيل فى السامرة فى السنة السابعة عشرة ليهوشافاط ملك يهوذا ،
ملك على اسرائيل سنتين ، وعمل الشر فى عينى الرب ، وسار فى طريق أبيه وطريق أمه ، وطريق يربعام بن نباط الذى جعل إسرائيل يخطىء ، وعبد البعل وسجد له ، وأغاظ الرب إله إسرائيل حسب كل ما فعل أبوه " ( 1 مل 22 : 51 – 53 ) .
مع قصر مدة حكم أخزيا إلا أنها كانت غاية فى الشر ، لم يحتفظ فقط بالوثنية التى أدخلها يربعام ، وإنما بعبادة البعل التى أدخلتها إيزابل . لقد سمع عن الخراب الذى حل ببيت يربعام ورأى والده قد دمره الأنبياء الكذبة ومع ذلك لم يتعظ .
لكى نستطيع أن ندرك كل هذه الحوادث التى حدثت فى العهد القديم ، من قتل للأنبياء الكذبة ، أو احراق رسل أخزيا ، أو ..... الخ ، يجب أن ننسى أننا نعيش فى العهد الجديد الذى أهم مايميزه الرحمة الرقيقة ، ونتخيل أنفسنا أننا نعيش فى العصر الذى أنتهى بالجلجثة .
هذا الدرس لقنه السيد المسيح لتلاميذه بعناية خاصة ، عندما طلب منه تلاميذه يعقوب ويوحنا أن تنزل نارا من السماء ( كما فعل ايليا ) وتحرق القرية التى رفضت أن تستضيف المخلص وتلاميذه ، فالتفت إليهما يسوع وقال لهما لستما تعلمان من أى روح أنتما ( لو 9 : 54 ، 55 ) . وكأن السيد المسيح قد قال لهما : اذكرا بأنكما وقد تبعتمانى انتقلتما الى عصر جديد ، وأن الأمور فى ملكوت السموات ستسير على مبادىء جديدة تختلف كل الأختلاف عن تلك المبادىء التى عهدتماها ، أننى سوف لا أنقض الناموس ولا الأنبياء ، ولكننى سأدخل عليهما قانونا يكملهما بنظام إلهى جديد ، لقد بدأ عهد الرحمة منذ الآن .
+ + +
إيليا واخزيا بن آخاب ورئيس الخمسين
تملك أخزيا بن آخاب ومرض فأرسل ليسأل بعل زبوب الوثن فتراءى إيليا لرسل الملك وطالبهم أن يخبروا ملك إسرائيل " أليس لأنه لا يوجد فى اسرائيل إله أرسلت لتسأل بعل زبوب إله عقرون لذلك السرير الذى صعدت عليه لا تنزل عنه بل موتا تموت " ( 2 مل 1 : 6 ) ...
عرف الملك أنه إيليا فأرسل خمسين جنديا وقائدهم الذى نادى إيليا " يا رجل الله .. الملك يقول إنزل " . أجاب إيليا " إن كنت أنا رجل الله فلتنزل نار من السماء وتأكلك أنت والخمسين الذين لك ، فنزلت نار وأكلتهم ....
أرسل الملك خمسين آخرين وقائدهم فأكلتهم النار ....
فعاد وأرسل خمسين ورئيسهم ....
+ صعد رئيس الخمسين الثالث إلى الجبل وجثا على ركبتيه وقال : " يا رجل الله لتكرم نفسى وأنفس عبيدك فى عينيك هوذا قد نزلت نار من السماء وأكلت ... "
هنا قال ملاك الرب لإيليا : " انزل معه لا تخف منه " نزل إيليا وذهب للملك وأخبره بقضاء الرب عليه بالموت ...
+ القائد الثالث سلك سكة الأتضاع فنجا من الموت وقيل " تذللت فخلصتنى ... أنا تذللت جدا " ( مز 116 : 6 ) .
وهنا تجول فى خاطرنا فكرة عن لطف السيد المسيح ووداعته : كان يستطيع أن ينزل نارا من السماء لتبيد أولئك الجند الذين أتوا اليه فىجثسيمانى لألقاء القبض عليه ، لم ينطق بتلك الكلمة ، كم كان منظرا مدهشا اذ وقفت جنود الملائكة منتصبة فى كبد السماء تنتظر كلمة واحدة منه لأنقاذه ، ولكنها بقيت منذهلة لم تتلق حتى اشارة واحدة .
النار الوحيدة التى طلبها فكانت نار الروح القدس " جئت لألقى نارا على الأرض فماذا أريد لو اضطرمت " ( لو 12 : 49 ) .
+ ما أعظم الفرق بين الناموس والنعمة : هنا 153 جندى هلك منهم 102 بنار إيليا ونجا القائد الثالث وخمسينه .
أما بعد قيامة الرب إصطاد الرسل 153 سمكة لم تضع واحدة منها فما بال حال النفوس التى إفتداها الرب بدمه ، قيل عن الفرق بين الناموس والنعمة فى ( عب 12: 18 ) :
" لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار وإلى ضباب وظلام وزوبعة وهتاف بوق وصوت كلمات استعفى الذين سمعوه من أن تزاد لهم كلمة ... وكان المنظر هكذا مخيفا حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد . بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحى أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين فى السموات وإلى الله ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين وإلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل " .
* ايليا والمركبة السماوية
كان اليشع يخدم ايليا وكان معه ، غير أنه ليس مذكورا فى التاريخ من زمان دعوته الى زمان اصعاد ايليا .
وقد عرف ايليا زمان انتقاله قد قرب ، وربما عرف اليشع أيضا أن سيده سيفارقه ولكن فى قلبيهما ما لا يقدران أن يعبرا عنه بالكلام .
كان ايليا على وشك الوقوف أمام الرب فى السماء وعلى اليشع أن يتسلم منه أثقال الخدمة وأخطارها ، وكانا مزمعين أن يفترقا .
وكان الرب قد رسم لأيليا حوادث تلك الساعات الأخيرة فأرسله ليزور الأنبياء فى محلاتهم المختلفة ويكلمهم كلامه الأخير ، وربما طلب ايليا من اليشع أن يمكث فى الجلجال لأنه أراد الأنفراد قبل انتقاله ، أو لأنه أشفق على خادمه ، أو لأنه قصد امتحان محبته وأمانته .
واليشع أظهر محبته الشديدة بقوله :
" حى هو الرب وحية هى نفسك أنى لا أتركك " ( 2 مل 2 : 5 ) .
وبعد زيارة مدارس الأنبياء ذهب الى برية فى عبر الأردن ليكون صعوده فى مكان منفردا كما صعد موسى ليموت فى جبل نبو .
وذهب خمسون رجلا من بنى الأنبياء ووقفوا قبالتهما من بعيد ، ووقف كلاهما بجانب الأردن ، وأخذ ايليا رداءه ولفه وضرب الماء فانفلق الى هنا وهناك فعبرا كلاهما فى اليبس .
وضرب ايليا النبى الماء كما مد موسى عصاه فانشق البحر وكما انفلق نهر الأردن أمام يشوع .
وكان عمل ايليا شهادة لأسرائيل لينتبهوا الى كلامه فيخلصوا من عبودية أشر من عبودية مصر ويدخلوا راحة أعظم من راحة كنعان .
وقال ايليا لأليشع اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أوخذ منك ؟
وطلب اليشع من أيليا أن يكون له نصيب أثنين من روحه ، وفى ( تث 21 : 17 ) فإن نصيب أثنين من مال الأب هو من حقوق البكر ، كأن الأنبياء أبناء لأبيهم الروحى أى لأيليا ، وطلب اليشع أن يكون أولهم ورئيسهم كالبكر بين الأولاد .
ولا ننسب لاليشع الطمع والكبرياء فى هذا الطلب ، لأنه طلب أن يكون الأول فى الخدمة والخطر والتعب .
والطمع من هذا النوع هو من الفضائل والواجبات .
وقال ايليا لقد صعبت السؤال : كان الأمر صعبا على اليشع لأنه ربما لم يشعر بعظمة الخدمة التى كانت أمامه ، وصعبا على ايليا ، لأن تعيين خليفته ليس له بل للرب .
وفيما هما يسيران ويتكلمان اذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد ايليا فى العاصفة الى السماء ، وكان اليشع يرى ويصرخ يا أبى يا أبى مركبة اسرائيل وفرسانها .. ولم يره بعد .
لا شك أن هذا المنظر بقى فى ذاكرة اليشع كل أيام حياته ، وبه تقوى ايمانه ليقول فى وقت المقاومة : " الذين معنا أكثر من الذين معهم " ( 2 مل 6 : 16 ) .
ومن ذلك الوقت فصاعدا لم يكن ايليا سيده بل الرب .
ورفع اليشع رداء ايليا الذى سقط عنه ورجع ووقف على شاطىء الأردن ، فأخذ رداء ايليا الذى سقط عنه وضرب الماء وقال أين هو الرب إله ايليا ، ثم ضرب الماء أيضا فانفلق الى هنا وهناك فعبر اليشع .
أخذ اليشع رداء ايليا لا ليلبسه بل اشارة الى المقام الذى تسلمه من ايليا ، وضرب الماء فانفلق كما فى الأول حينما ضربه ايليا .
أسباب هذا الأنتقال :
1- لا شك فى أن الأسباب الرئيسية هو أن يكون شهادة لجيله ، فقد كان البشر فى عصره غارقين فى شهواتهم ، منغمسين فى ملذاتهم ، لا يفكرون فيما وراء هذه الحياة ، أما اليهود فان أقصى ما استطاعوا الوصول اليه هو تكوين فكرة غامضة عن الحياة الأخرى ، لعل هذه الفكرة زادها غموضا وظلاما انحرافهم فى تيار العبادة الوثنية وانغماسهم فى الخطية .
أما انتقال ايليا فقد اعطاهم برهانا مقنعا على وجود عالم روحى دخله الأبرار ، وعلى أن الروح لا تموت بموت الجسد ، بل تنتقل الى حالة أسمى ووطن لائق بها .
2- كان هناك سبب آخر هو رغبة الله فى تدعيم أقوال عبده وخادمه الأمين بطريقة عجيبة ، كان يسيرا على رجال ذلك العصر أن يحدوا من قوة خدمة ايليا باتهامه أنه مجرد انسان متحمس مهيج مثير للقلاقل والفتن ولعله كان من الهين أن يظنوا أن تهديداته وانذاراته بدأت وانتهت بنفسه ، ولو كانت حياته انتهت بمرض الشيخوخة لأذدادوا تقسيا فى طرقهم المعوجة ، وتوغلا فى شرورهم ، فكيف كان ممكنا أن يعرفوا أنه انما نطق بحق الله ؟
ولكن شفاة المجدفين والمتقولين قد ابكمت عندما ختم الرب على خدمة عبده بهذا الختم العجيب .
التجـلـى
" وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين ، وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور ، واذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه ، فجعل بطرس يقول ليسوع يارب جيد أن نكون ههنا ، فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال ، لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة ، وفيما هو يتكلم اذ سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلا : هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت ؛ له اسمعوا " ( متى 17 : 1 – 5 ) .
التجلى هو الدخول بالنفس إلى تذوق الحياة الآخروية ، لترى عريسها قادما فى ملكوته ، معلنا لها أمجاده الإلهية بالقدر الذى يمكنها أن تحتمله وهى بعد فى الجسد ، هذا العمل الذى تحقق بطريقة ملموسة على جبل تابور أمام ثلاثة من التلاميذ ؛ ونبيين من العهد القديم هما موسى وإيليا .
التجلى هو اعلان " الملكوت السماوى " الممتد فوق كل حدود الزمان ، أرتبط التجلى بأحداث الصليب والقيامة ، فإنه لا يمكن للمؤمن أن يرتفع على جبل التجلى ليرى بهاء السيد ، ما لم يقبل صليبه ، ويدخل معه الآمه ليختبر قوة قيامته .
لعل السيد أحضر موسى وإيليا كمثلين للتلاميذ فيغيروا منهما فى الأمور الحسنى ، فتكون لهم وداعة موسى وغيرة إيليا على مجد الله .
جاء موسى النبى إلى حضرة الملك المسيا ممثلا الأعضاء الراقدة فى الرب ، النفوس التى رحلت عنا بالجسد لكنها مرتبطة معنا حول المسيح الواحد الذى يملك على الجميع ، وأما إيليا النبى فجاء يمثل الأعضاء المجاهدة إذ لم يمت إيليا ... وكأن الكل يلتقون معا كأحياء فى الرب .
أراد السيد أن يخبر تلاميذه أن له سلطان على الموت وعلى الحياة ، إن كان موسى قد تسلم الناموس وإيليا يمثل الأنبياء ، فإن تجلى السيد بينهما إنما يشير إلى أنه هو غاية الناموس ومركز النبوات .
موسى وإيليا يمثلان رجال العهد القديم ، وبطرس ويعقوب ويوحنا يمثلون رجال العهد الجديد ، وكأن السيد المسيح هو مركز الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، أو هو سر خلاص الكل ومشتهى الجميع .
موسى النبى جاء شاهدا على أن السيد ليس مجدفا على الناموس كما يدعى اليهود ....
وإيليا شاهدا على مجد الله فى شخص أبنه الحبيب يسوع ......
لقد رفض يسوع أن يعطى آية من السماء للكتبة والفريسيين ، وهاهو يعطى علامة من السماء لتلاميذه الأبرار ليزيد إيمانهم ، ....
إيليا يمثل البتوليين فى ملكوت السموات .. . . وموسى يمثل المتزوجين ......
" فسأله تلاميذه قائلين : فماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغى أن يأتى أولا ، فأجاب يسوع وقال لهم : إن إيليا يأتى أولا ويرد كل شىء ، ولكنى أقول لكم أن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا " ( متى 17 : 10 – 12 ) .
كان للكتبة معرفة نظرية ، فقد فهموا من النبوات أن إيليا يسبق مجىء المسيا ، جاء ولكنهم لم يعرفوه أو قبلوه ، إنما عملوا به ما أرادوا ...
من هو إيليا إلا يوحنا المعمدان ، إذ " فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان " ( متى 17 : 13 ) – لقد جاء يوحنا بروح إيليا ، لا بمعنى أنه تقمص روحه ، وإنما يحمل فكره النارى وغيرته الملتهبة على مجد الله ، وحياته النسكية فى البرية ، ليمهد الطريق بالتوبة من أجل المسيا المنتظر .
دروس مستفادة من حياة إيليا
1- كان ايليا انسان تحت الآلام مثلنا
2- الوقوف أمام الله
3- قيمة الأختباء
4- الطاعة الكاملة لصوت الله
5- إيليا النبى والوداعة وطول الأناة
6- شجاعة إيليا
7- الدعوة للرجوع إلى الله الواحد
8- قوة الأيمان سر استجابة الصلاة
9- طلبة البار تقتدر كثيرا فى فعلها
10- الهروب من وجه الشر
إيليا رمـــــز للسيد المسيح
+ يرمز إيليا الطوباوى إلى ربنا ومخلصنا ، كما اضطهد إيليا بواسطة اليهود هكذا ربنا إيليا الحقيقى الذى دانه اليهود واحتقروه .
ترك إيليا شعبه ، وهجر المسيح المجمع ،
رحل إيليا إلى البرية ، وجاء المسيح إلى العالم
أطعم إيليا فى الصحراء بواسطة الغربان ، بينما انتعش المسيح فى صحراء هذا العالم بإيمان الأمم .
+ كما قام ربنا وصعد إلى السموات ، هكذا أخذ إيليا إلى السماء فى مركبة نارية .
موسى وإيليا
كثيرا ما ترتبط شخصيتا موسى وإيليا معا ، خاصة بظهورهما دون سواهما من رجال العهد القديم عند تجلى السيد المسيح ، وتمتعهما دون سواهما من الأنبياء بالصوم لمدة أربعين يوما .