* الطلاق والزواج الثاني في العهد القديم:
تنتهي رواية الخلق بمشهد يقوم عليه الزواج. ففي (تكوين 2)، يَظهر القصد الإلهي صراحة في هذه الألفاظ:
(ليس جيدا أن يكون آدم وحده. فأصنع له معينا نظيره) تكوين 2: 18. فلا يستطيع الإنسان وهو يفوق كل الحيوانات (تكوين 2: 19-2.) أن يجد هذا العون إلا في تلك التي هي عظم من عظامه ولحم من لحمه (تكوين2: 21-23), ولذا فإنه وهو يترك أباه وأمه، يلتصق بها بالحب، فيصيران جسداً واحداً (تكوين 2: 24), على هذا النحو يجد الجنس معناه, بالتعبير في الجسد عن الوحدة بين كائنين يدعوهما الله للتعاون معا في حب متبادل.
لكن الجنس بعد السقوط في الخطية صار عُرضة للاضطراب, وحياة الزوجين البشريين سيتربص بها من الآن فصاعدا الألم وغوايات الشهوة والسيطرة لإفساد هذه اللُحمة, والدخول في مبدأ جديد هو تعدد الزوجات, وهو مختلف كليا عما رتبه الله.
في (تكوين4: 19) نجد شجباً لهذا المبدأ الذي تبناه الجنس البشري حينما يُنسب أصله إلى مبادرة لامك البربري الذي هو من نسل قايين الشرير.
ومن بعده تتكرر القصص التي فيها يَجمع أو يبدّل الرجل زوجاته لأسباب متعددة, وبالتالي نشأت فكرة الطلاق والتي هي ليست من نتاج فكر الله المقدس وإنما فكر الانسان الفاسد.
في ايام موسى عندما اعطيت الشريعة للشعب قديما, لم يكن هذا الشعب المتبدي على مستوى اخلاقي جيد, بل هم كما وصفهم الرب (قساة القلوب), فجاءت الشريعة بمقياس معين لتتلاءم مع هؤلاء. لا أقصد ان الشريعة وافقتهم على أخطائهم ولكن أقول إن الشريعة بدأت معهم من حيث هم.
وان كانت كلمة الطلاق قد وردت في العهد القديم فهي لم ترد كتشريع, أي لم ترد كفريضة, ولكن وردت كحالة خاصة يمكن للإنسان أن يلجأ إليها, أو يتغاضى عنها, إن شاء. فلا يوجد في الشريعة نص يلزم احد الشريكين بالطلاق بسبب حالة ما. ولكن كما قلت الطلاق يرد في حالة خاصة يمكن للشخص فيها أن يُطلّق أو لا يُطلّق بحسب قساوة قلبه وليس بحسب خطة الله أو قصده.
ومن المهم هنا ان نذكر ان حق الطلاق في كل العهد القديم هو بيد الرجل وليس بيد المرأة وهذا سببه ان الرجل هو الذي يدفع المهر لأسرة الزوجة. من أجل ذلك يُسمى بالعبرية (بعل) أي سيد. وفي هذا اشارة خفية إلى ملكية الزوج للزوجة, ولكن مع ذلك هذا لا يعني ان الزوج له الحق في بيع زوجته, فالكتاب يؤكد من البدء إنها عظم من عظامه ولحم من لحمه.