قيامة المسيح حقيقة وحتمية إن موت المسيح دون القيامة لا يجدي نفعًا. ولقد حمل التلاميذ حقيقة قيامة المسيح للعالم أجمع، وكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، لكل أمم العالم وشعوبه، وأكدوا على قيامة المسيح لأنهم كانوا شهودًا لها. إن قيامة المسيح كانت برهانًا على سلطانه على الموت؛ لقد وضع نفسه بالموت وأخذها بالقيامة «ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتها من أبي» (يو10: 18). ومن ثم قيامته كانت التعبير عن الغلبة، والنصرة التي تمت في الصليب.
قيامة المسيح هي الأساس، وإذا لم تكن قيامته حقيقية لأصبح البناء بدون أساس، ولقد أكَّد الرب يسوع قيامته ببراهين كثيرة، فكان يظهر لتلاميذه ويكلِّمهم حتى يسمعوا صوته ويتأكدوا من شخصه، إن البراهين الكثيرة التي أعطاها لهم، لم تتعلق بحاستي السمع والبصر فقط، وإنما تعدّتهما إلى حاسة اللمس، إذ أمرهم أن يلمسوه حتى يتأكدوا من حقيقة قيامته.
قيامة المسيح أكَّدت:
1- أنه هو الذي صُلب على الصليب
عندما ظهر لتلاميذه بعد قيامته ووقف في الوسط، قال لهم «سلام لكم»، ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه (يو20: 19). قصد المسيح أن يتأكد تلاميذه تمامًا أنه هو الذي صُلب على الصليب، لذا أراهم يديه ليروا فيها آثار المسامير (مز22: 16)، وأراهم جنبه ليروا فيه آثار الحربة التي طعنه بها أحد العسكر (يو19: 34).
2- صِدق نبوات العهد القديم
ولنأخذ مثالاً لذلك من سفر المزامير: تنبأ داود عن قيامة المسيح في (مز16)، المزمور الذي يصف حياة المسيح التي عاشها كإنسان متكلاً على الله، ذاك الذي سلك في طريق طاعة الله حتى وصل إلى الموت، إذ كان واثقًا أن الله لن يترك نفسه في الهاوية، ولن يدع تقيه يرى فسادًا، وأعلن بطرس ذلك في خطابه لليهود في يوم الخمسين. إن هذا المزمور لا يمكن أن يشير إلى داود، لأن داود مات ودفن ولا يزال قبره موجودًا إلى هذا اليوم، وقد رأى جسده فسادًا، فلم يكن داود يتكلم عن نفسه، بل «إذ كان نبيًا، وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، أنه لم تُترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا. فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعًا شهود لذلك» (أع2: 30-32).
3- صِدق نبوات المسيح
أ) تنبأ المسيح عن موته ودفنه وقيامته «لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال» (مت12: 40) - هذه الآية العظيمة تشير إلى قيامة المسيح من بين الأموات، لكن بكل أسف لم تنفع هذه الآية تلك الأمة المتمردة، غير المؤمنة – التي صارت أواخرها أشر من أوائلها، ولما قام المسيح من الأموات، فإن رؤساءهم أنفسهم «أعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين، قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام. وإذ سمع ذلك الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين» (مت28: 13،12).
والجدير بالذكر أن لليهود عادة أن يقرأوا سفر يونان (الذي فيه الآية عن موت المسيح وقيامته) في يوم الكفارة العظيم، وهم لا يؤمنون بموت المسيح وقيامته، لكن البقية ستفهم فيما بعد. إنهم بكل أسف يقرأون العهد العتيق والبرقع موضوع على قلبهم، ولكن عندما يرجع هذا الشعب إلى الرب مستقبلاً يُرفع البرقع، ويبصرون المسيح ويؤمنون به (2كو3: 14-16).
ب- بعد اعتراف بطرس في قيصرية فيلبس: «من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم» (مت16: 21) – إعلان قيصرية فيلبس يُعتبر نقطة تحول في مجريات الأحداث، وأصبح مسار المسيح يتجه للصليب بعد إعلان رفضه.
ج- مرة أخرى بعد حادثة التجلي «كان يُعلِّم تلاميذه ويقول لهم: إن ابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الناس فيقتلونه وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث» (مر9: 31). لقد سبب هذا الإعلان حزنًا عظيمًا للتلاميذ، لكن بعد قيامته فتح ذهنهم ليفهموا الكتب (لو24: 45).
د- بينما كان يسير معهم في الجليل: وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع: «ابن الإنسان سوف يُسلَّم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم» (مت17: 23،22). كان الرب يقصد هنا تسليمه إلى أيدي الأمم فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، أما في أصحاح (16: 21) فالإشارة إلى أن اليهود هم الذين يقتلونه، ولكن في أصحاح (20: 20،18) نرى اليهود والأمم مشتركين معًا في صلب الرب.
هـ- عندما تحدث عن شخصه باعتباره الراعي الصالح: «ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتها من أبي» (يو10: 18)
يتكلم الرب هنا باعتباره ابن الله صاحب السلطان الذي به يضع نفسه وبه يأخذها أيضًا، ولكن هذا السلطان ليس بالاستقلال عن الله الآب بل مرتبط بخضوعه لإرادة أبيه. لقد وضع نفسه بالموت، وفي اليوم الثالث أخذها بالقيامة.
ما أعظمك يا ربي يسوع.. في حياتك أقمت الموتى، وعند موتك أقمت نفسك، وبعد قيامتك كنت تظهر وتختفي، ظهرت لأفراد وجماعات، لقد عاين كثيرون قيامتك. يا لك من شخص عظيم لك سلطان على الموت والحياة! إنك بحق تستحق كل السجود والتعبد إلى أبد الآبدين.
.......
أفرايم فخري