قيامة المسيح في الأسفار التاريخية
قيامة المسيح نراها لامعة متجلّية في كل الكتاب، جنبًا إلى جنب مع موته، فهكذا يعلن الرسول «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو15: 3، 4).
ولعلنا نذكر كيف فسَّر المسيح لتلميذي عمواس «الأمور المختصة به في جميع الكتب... وقال لهما: هكذا هو مكتوبٌ، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث» (لو24: 27، 46). وسنتناول في هذا المقال بعض الإشارات الرمزية للقيامة كما جاءت بالكتب التاريخية، بدءًا من سفر يشوع، وحتي سفر أستير.
في سفر يشوع
1- في الأصحاح الثاني نرى ضمانتين لراحاب: أولاً حبل القرمز المُدلَّى من كوّة بيتها، كعلامة وضمان الخلاص من الدينونة لكل من احتمى في هذا البيت؛ وفيها إشارة لموت المسيح وسفك دمه الكريم. والضمانة الثانية مُمثَّلة في حفظ حياة الجاسوسين باختبائهما في الجبل ثلاثة أيام (رقم القيامة)، وإتيانهما إلى يشوع مؤكِّدين أن الرب قد دفع الأرض كلها لتكون ملكًا لهم، وهي إشارة لقيامة المسيح كأساس تمتّعنا بالبركات السماوية وامتلاكنا الميراث الأبدي «مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظٌ في السماوات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون» (1بط1: 3-5). وهكذا بعد أن خرج دَمٌ وماءٌ من جنبه المطعون (يو19: 34)، نراه في يوحنا20 ينفخ في تلاميذه، مانحًا إياهم حياته كالمُقام من الأموات، والتي تؤهِّلهم لامتلاك كل البركات الروحية السماوية.
2- في الأصحاح الثالث نرى عبور تابوت العهد نهر الأردن، بعد ثلاثة أيام (رقم القيامة)، ليقود الشعب لامتلاك أرض الموعد التي تفيض لبنًا وعسلاً (يش3: 1-5)؛ صورة لقيامة المسيح في اليوم الثالث بعد اجتيازه الموت، ليُعدَّ الطريق، ويقودنا إلى الدائرة الروحية السماوية. وكما نعلم أن التابوت إشارة واضحة إلى المسيح باعتباره ابن الله وابن الإنسان.
3- في الأصحاح الرابع كلم الرب يشوع بأن ينتخب من الشعب اثني عشر رجلاً، رجلاً من كل سبط، ليحملوا من وسط الأردن اثني عشر حجرًا، لكي تكون هذه علامة في وسطهم، إذا سأل غدًا بنوهم عنها، يقولون لهم: إن مياه الأردن قد انفلقت أمام تابوت عهد الرب عند عبوره الأردن، فتكون هذه الحجارة تذكارًا لبني إسرائيل إلى الدهر (يش4: 1-8). وقد نرى في هذه الحجارة الشهادة عن قيامة المسيح، والتي تمّت بواسطة الرسل الاثني عشر الذين عاينوه، وأكلوا وشربوا معه بعد قيامته (أع1: 22؛ 10: 40-42). كما نرى فيها أيضًا قيامتنا مع المسيح واتحادنا معه بقيامته «لأنه إن كنا قد صرنا مُتّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته» (رو6: 5).
4- في الأصحاح الخامس نقرأ «فحلّ بنو إسرائيل في الجلجال، وعملوا الفصح... وأكلوا من غلة الأرض... وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض» (يش5: 10-12). فإن كنا نرى في المن تجسُّد المسيح واتضاعه، وفي الفصح نرى آلامه وموته، فإننا في غلة الأرض نرى قيامته ومجده؛ فالذي وُضع قليلاً عن الملائكة (المن)، من أجل ألم الموت (الفصح)، نراه مكلّلاً بالمجد والكرامة (غلة الأرض)، حيث أقامه الله من الأموات وأعطاه مجدًا، إذ قد مضى إلى السماء، وملائكةٌ وسلاطينٌ وقواتٌ مُخضعةٌ له (1بط1: 21؛ 3: 21، 22).
5- في الأصحاح العشرين نقرأ عن مدن الملجإ التي تُكلِّمنا أيضًا عن أمجاد المسيح في قيامته ونتائجها المجيدة لنا:
ففي"قادش" (مقادس) نراه ”القدُّوس والمُقدّس“ الذي بقيامته اتّحدنا به «لأن المُقَدّسَ والمُقَدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوةً» (عب2: 11)، فبعد قيامته أرسل قائلاً: «اذهبي إلى إخوتي» (يو20: 17).
وفي "شكيم" (قوة) نرى قوة قيامة المسيح التي تعمل لحسابنا (أف1: 19، 20)، والتي قال عنها الرسول بولس: «لأعرفه، وقوة قيامته» (في3: 10).
وفي ”حبرون“ (شركة) نرى الشركة التي تأسَّست على قيامته إذ أرسل الروح القدس ليربطنا بشخصه المجيد وببعضنا البعض (1كو10، 12؛ 1يو1: 3، 7).
وفي ”باصر“ (حصن) نرى وعد الرب - بعد قيامته - «دُفع إليّ كلُّ سلطانٍ في السماء وعلى الأرض... وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (مت28: 18- 20). وها هو - تبارك اسمه - يقول لمن كان يضطهد الكنيسة: «لماذا تضطهدني؟... صعبٌ عليك أن ترفس مناخس» (أع9: 4، 5)، «لأنه من يمسُّكُم يمسُّ حدقة عينه» (زك2: 8).
وفي "راموت" (مرتفع) نرى قيامة الرب من الأموات وارتفاعه فوق جميع السماوات، صائرًا رأسًا فوق كل شيءٍ للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأُ الكلّ في الكلّ (أف1: 22، 23).
وفي "جولان" (فرح، بهجة) نرى الرب المُقام والمُمجّد، الذي يظهر أمام وجه الله، كمصدر لفرحه كما هو مصدر أفراحنا وبهجتنا «ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرحٍ لا يُنطق به ومجيدٍ» (1بط1: 8).
في سفر القضاة
في قضاة14: 14 نقرأ أحجية شمشون «من الآكل خرج أكلٌ، ومن الجافي خرجت حلاوةٌ. فلم يستطيعوا أن يحلُّوا الأحجية في ثلاثة أيام». والآكل والجافي (القوي)، صفتان للشيطان كمن له سلطان الموت، وكالقوي الذي يحفظ داره متسلحًا بسلاحه الكامل، إلا أن الرب يسوع - الأقوى منه - حسم المسألة في إبادته، وأعتق من كانوا - بسبب الخوف من الموت - عبيدًا له (عب2: 14)، وأيضًا في تجريده ونزع سلاحه، وتوزيع غنائمه (لو11: 21، 22؛ كو2: 15).
وكما لم يستطع الأصحاب أن يحلوا الأحجية في ثلاثة أيام، فإن رؤساء الكهنة والشيوخ لم يجدوا - في اليوم الثالث - حلاً لأحجية القبر الفارغ سوى أن يشيعوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه (مت28: 13). وقد سبق ولم يفهموا قول السيد: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أُقيمه»، فكان لهم الأمر كأحجية، ظانين أنه يتكلم عن هيكل سليمان، أما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكّر تلاميذه أنه قال هذا، فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع (يو2: 18- 22). فكانت قيامته في اليوم الثالث هي الحل الوحيد لهذه الأحجية. فقد كان الأمر غير مفهوم، حتى لتلاميذ الرب، لدرجة أنهم لم يصدقوا النسوة اللائي أخبرنهم بقيامة المسيح، وتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدّقُوهن (لو24: 11)، ولكن الرب ظهر للأحد عشر، ووبَّخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام (مر16: 14)، وإذ كانوا لا يعرفون الكتب أنه كان ينبغي أن يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، فقد فتح ذهنهم ليفهموا الكتب (لو24: 44-46).
في سفر راعوث
في سفر راعوث نقرأ عن بوعز (الذي فيه القوة)، كالولي (الفادي)، الذي يفدي الميراث ويقيم اسم الميت، أي يعطي الحياة. وإذ لم يستطع الولي الأول، ذلك لأنه رمز للناموس الذي كان عاجزًا في ما كان ضعيفًا بالجسد (رو8: 3، 4). لكن جاء الولي الثاني الذي يرمز إلى المسيح كمن يُعطي المؤمنين حياته كالمُقام من الأموات. وإذا كنا في بوعز، عندما أكل وشرب وطاب قلبه ودخل ليضطجع في طرف العرمة، نرى رمزًا لموت المسيح (را 3)، فإنه عندما صعد إلى الباب وجلس هناك ليتمِّم أمر اقترانه براعوث، نرى رمزًا لقيامة المسيح وارتباطه بالكنيسة.
في سفر صموئيل الأول
في 1صموئيل30 نعود لنقرأ عن اليوم الثالث (يوم القيامة) في عودة داود ورجاله إلى صقلغ، وفي نصرته على العمالقة (1صم30: 1، 12، 13). وفي هذا اليوم، استخلص داود كل ما أخذه عماليق، وأنقذ الكلّ، ولم يُفقد له شيءٌ لا صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا بنون ولا بناتٌ ولا غنيمةٌ، بل رد داود الجميع، وأخذ غنيمة عظيمة. ثم أرسل داود من الغنيمة إلى الذين في كل الأماكن التي تردد فيها مع رجاله (ع26-31). وفي كل هذا نرى صورة لنتائج النصرة التي أحرزها أصل وذرية داود، بالقيامة من الأموات، في اليوم الثالث، وكيف سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا (أف4: 8) ، إذ أشركنا معه في غنائم نصرته، وكان ذلك إتمامًا لوعد الله: «أقسِم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسِمُ غنيمةً» (إش53: 12)، وإذ جعله الله وارثًا لكل شيء، صرنا - باتحادنا به - ورثة الله ووارثين مع المسيح (رو8: 17).
في سفر الملوك الثاني
في الأصحاح العشرين نقرأ عن قصة مرض حزقيا للموت وصلاته وبكائه أمام رعب الموت، حيث كان في نصف أيامه؛ صورة لمشهد بستان جثسيماني، لمن انفصل عن تلاميذه نحو رمية حجر، وخر على وجهه، وصلى بأشد لجاجة لأجل عبور هذه الكأس، وكأن لسان حاله «أقول: يا إلهي، لا تقبضني في نصف أيامي» (مز102: 24).
ثم كانت العلامة على استجابة صلاة حزقيا ومنحه الحياة، أنه يصعد إلى بيت الرب في اليوم الثالث، فكان هذا يوم القيامة بالنسبة لحزقيا، وهو رمز لقيامة المسيح في اليوم الثالث. ولقد ترنم حزقيا عن «الحيُّ الحيُّ هو يحمدك كما أنا اليوم» (إش38: 19)، ومن هو الحيُّ الحقيقيّ إلا ربنا يسوع المسيح الذي قال ليوحنا: «لا تخف، أنا هو الأوّل والآخرُ، والحيُّ. وكنت ميتًا، وها أنا حيٌّ إلى أبد الآبدين! (آمين). ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 17، 18).
في سفر أستير
طلبت أستير الصوم من جهتها ثلاثة أيامٍ ليلاً ونهارًا لكي تدخل إلى الملك بخلاف السُنّة، وقالت: «وأنا إن هلكتُ، هلكتُ» (أس4: 16)، فكانت في حكم الموت من أجل شعبها. ولكن في اليوم الثالث، لبست أستير ثيابًا ملكيةً ووقفت في دار بيت الملك الداخلية، ونالت نعمةً في عينيه، فمدَّ لها قضيب الذهب الذي بيده، ليتحوّل مرسوم الموت ضد الشعب إلى مرسوم حياة لهم. وهكذا ربنا يسوع المسيح، الذي لم يخاطر بحياته فحسب، بل مات لأجلنا، ليرفع عنا حكم الموت، لكنه قام في اليوم الثالث حائزًا أسمى مقام، نائلاً كل رضى الله، إذ أجلسه عن يمينه في السماويات، مُعطيًا إياه السلطان أن يُعطي حياة أبدية لكل من أعطاه (يو17: 2).