إن حب الرجل والمرأة في جمال كيانهما الأصلي، قد شوشته وشوهته الخطيئة فأضحى ممتزجاً بالعنف والإغواء، وهو مثال الأمور البشرية التي تحتاج إلى خلاص يعيد خلقها وصنعها وفقاً لاستقامتها الأصلية. هذا الخلاص هو العهد الذي عاشه إسرائيل وتجلى بملئه في المسيح، وهو الجواب على كل سؤال يخص موضوع الحب الحقيقي التي تشارك في جودته الأجساد والقلوب على السواء.
فليس إذاً من غير الجائز أن نقرأ في النشيد، مع التقليد، نشيد العهد الذي ينشده المسيح والكنيسة، كما أنّه ليس أيضاً من غير الجائز أن نرى فيه نشيد حبٍّ بشريّ يستمد من النشيد الأوّل جودته وجماله الأصليين والجديدين في وقت واحد. وأكثر من ذلك، يُنصَح حتّى أن يُقرأ النشيدان معاً! لأن الاستماع إلى صوت النشيد الخاصّ يقوم على الشعور بتعدّد الأصوات هذا. وفي ذلك تبرير جديد لاستعمال العنوان في صيغة التفضيل. فيصبح المعنى الحرفي ذلك المعنى المكثّف الكامل المُشبع، لأنّ فيه تتم خلاصة ما هو بشري وما هو إلهيّ، تماماً كما يلتقي الناسوتُ واللاهوت في المسيح ليكشفا معاً عن الآب وعن الإنسان. ونلاحظ أنّ التشابك بين الحبيّن، الإلهي والبشري، كما بين العهدين، الإلهي والبشري، هو من معطيات الكتاب المقدس الأساسية، وهذا واضح في الأسفار النبويّة، ولكن ذلك يتحقّق أيضاً على مستوى النص بمجمله.
إن النشيد موضوع في الواقع على مسار كبير ينطلق من التكوين إلى الرؤيا. وهو يُشبه فيه رأساً عالياً يُطلّ منه النظر، في وقت واحد، على بدايات العالم، والرجل والمرأة، ويستطيع منه أن يبلغ النهاية، حيث تصوّر الرؤيا مدينة أورشليم، "مثلَ عروسٍ مزيَّنةٍ لعريسها". ومن بداية السفر إلى نهايته، تمتدّ حركة أخذ وردّ بين الرجل والمرأة من جهة، والله وإسرائيل، والمسيح والكنيسة من جهة أخرى. أمّا نقطة الوصول فهي، ولا شكّ، نص الرسالة إلى أهل أفسس 5/32 حيث بلغ بولس بالمقارنة إلى حد إعلانه أن هناك "سرّاً عظيماً"، أي حقيقة تتعلّق بمخطّط الله الأزليّ، على التاريخ البشري وفيه.
إنّ القرّاء العصريّين أصبحوا، ولا شكّ، شديدي التأثر ببُعد أنتروبولوجي تجاهله الأسلاف، أو حجبه تفسير كنسيّ، فرديّ أو جماعيّ، متسرّع. ولا شكّ أنّها فرصة لزماننا الحاضر بأن نعرف كيف ننصف هذا المظهر على وجه أفضل، وبأن ندرك إدراكاً أفضل أنّنا لا نتجاهل ما هو إلهيّ حين نتوقّّف عند ما هو بشريّ. وهذا الإحساس الجديد هو ربح. فهو يمكّننا أن نتخطّى ضيق الأفق الذي ميّز في الماضي الصلة بالجسد وأبعد في الواقع عن الكتاب المقدّس. ونحن نعرف اليوم كيف نقرأ النشيد قراءة أفضل. فنتوقّف عند كلمات لنسمعَها فعليّاً ونكتشف أنّها تؤلف موقفاً لاهوتياً. وليست السرعة التي نبتعد بها عن المدى الجسديّ هي التي تجعل قراءة النشيد أكثر صبغة روحانيّة، بل بالأحرى الطريقة التي نكتشف بها، ونحن نسمع أناشيد الحبّ الساحرة التي ينشدها الحبيب والحبيبة، وحدة الحبّ وقدرته، ذلك الحبّ الذي يسند العالم ويوجّه التاريخ، باجتياز ظلمات الخيانات كلّها والإنهزامات كلّها".