عرض مشاركة واحدة
قديم 17 - 04 - 2013, 02:55 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,349,310

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: نشيد الأناشيد: قدس أقداس الكتاب المقدس

4- النشيد والنظرة التفسيرية المعاصرة
لا شكّ أنّ معنى النشيد المباشر، وهو معنى حوار غراميّ وإشادة متبادلة يحرّكان القلوب والأجساد، لم يُثر اهتمام القراءات الكنسيّة التمثيليّة المعروفة منذ القديم إلاّ قليلاً جدّا، إذ كان الهمّ الأوّل الإسراع في الابتعاد عن هذا المستوى من النص أو عدم ذكره إلاّ للتحذير من أخطاره.
هناك أبحاث أقرب إلى زمننا تدلّ على جودة الحب البشريّ الذي اشتبه به أو حطّ من قدره – لا الكتاب المقدّس- بل أجيال مسيحيّة باردة. وغالباً ما تضيف تلك الأبحاث أنّ التعبير المتهلِّل والشهوانيّ الذي يصف به النشيد هذا الحب ليس هو رسالة أقلّ أهميّة من المعنى الذي أضفته القراءة التمثيلية على القصيدة.
"خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم". على هذه الكلمات الافتتاحية وحدها، إذ إنّها وردت في الفصل الأوّل من سفر التكوين، أن تنبذ جميع أنواع التزمت وجميع أنواع ترويض النفس غير المفهومة كما يجب. وتأتي بقيّةُُ النصّ، في الفصل الثاني بإثبات، حين ترينا آدم يُعجب باكتشاف مَن دعاها "عظماً من عظامي ولحماً من لحمي". ويختتم النشيد تلك الرؤيا الكتابيّة بإظهار رجل وامرأة يحبّ أحدهما الآخر، في جو من المساواة والحريّة، الواحد إزاء الآخر، الواحد في سبيل الآخر، حبّاً يكون فيه الجسديّ روحيّاً والروحيّ جسديّاً. تلك هي الرسالة، البسيطة والثمينة إلى أبعد حدّ، التي يتضمَّنها هذا السفر الكتابيّ الذي كان موضوع جدال شديد.
من هنا نرى أن قراءة النشيد في عالم اليوم هي قراءة تجمع هذين العالمين اللذين يبدوان مختلفين وغريبين الواحد عن الآخر: عالم الحب البشري وعالم العهد كما اختبره إسرائيل والكنيسة. لقد وجدت الكنيسة في النشيد، على مر التاريخ وما زالت، تعبيراً عن أعمق ما تعيشه في صلتها بالله، لكن في الوقت نفسه هناك نظرة جديدة إيجابية لكلمات النشيد بحرفيتها كما كُتِبت، تستنير بفعل الخلق وتُنصِف هذه القصيدة وتحُرِّرها من التفسير الخاطىء.
ففي عالم الكتاب المقدس حيث يخرج الإنسان من يدي الله، ليس هناك حقيقة طبيعية غريبة عن الرِهانات الروحية. والحديث عن جودة الحب، في نظامه، والمتحرر من وسواس رتب الخِصْب الوثنية، هو طريقة للحديث عن الله، وأيضاً عن الرجل والمرأة، وفقاً للكتاب المقدس، وهو عمل لاهوتي عظيم.
هُناك إذاً عدّة مستويات من المعاني تشقّ طريقها في أيامنا أيضاً. وبدل أن يُرفع المعنى البشري في وجه المعنى الإلهيّ ويتضادّ المعنيان، يذكَّر بأنّهما جُعِلا ليردّدا الصوت معاً وليتآلفا، لأنّ ما هو بشريّ وما هو إلهيّ في الكتاب المقدّس ينسجمان من بداية الوحي إلى نهايته. ويذكَّر أيضاً غالباً بأنّ المفاهيم اللاهوتيّة تستمد قوّتها وغناها من كونها تستند إلى حقائق أنتروبولوجيّة نختبرها عموماً. والوحي الكتابيّ كلُّه مبنيّ على هذا المبدأ. والتقليد المسيحيّ هو، ولا شكّ، تقليد التجسد! وفي ما يختصّ بالحبّ فعلى مستوى أعلى أيضاً من مستوى ما يختصّ بسائر الأمور. إنّ الله يتجلّى لإسرائيل متّخذاً العلاقة الزوجية كنموذج و مرجع مفضَّلين، على رغم تزوير الحبّ والجراح التي تؤثِّر في هذا الواقع وتشوِّهه.
هناك اليوم إذا حديث عن تعدد المعاني في النشيد وعن الفهم المزدوج والمدى المزدوج حيث يعبر النشيد عن الحب البشري بين الرجل والمرأة لكن بلغة تستعيد لغة الحب الإلهي، لغة العهد الداودي والمشيحي. من هنا تأتي صحة الاستماع المزدوج للنشيد، وهذا الاستماع المزدوج الذي كان مألوفاً عند حكماء إسرائيل، يزيل عن النص تهمة الانعزال. إنه نشيد يتأصل الرمز فيه في الواقع فيجعل منه مثلاً رائعاً مزدوج المعنى، كل حقيقة فيه تسلط الضوء على الأخرى وتتعمق فيها. إن قوة النشيد تكمن في أنها تجمع بين هذين المَدَيَيْن، وبنفس الكلمات المتوازنة يعبر عن حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة، وحقيقة العلاقة بين الله والشعب الذي أعاد الله خلقه على وفق قلبه.
  رد مع اقتباس