* هيبوليطس (القرن الثالث) في مواعظه التي تعتبر أقدم تفسير للنص يُفسِّر نش 2/8 "صوت حبيبي. هوذا مُقْبِلٌ وهو يطفر على الجبال ويقفز على التلال. حبيبي يشبه ظبياً أو شادِن أيّلة"، فيقول: "قفز الكلمة من السماء إلى جسد العذراء. ومن الحشا المقدّس، قفز إلى الخشبة، ومن الخشبة إلى مثوى الأموات. ومن هناك إلى جسد البشرية على الأرض. آه! إنها قيامة جديدة. ثمّ ما لبث أن قفز من الأرض إلى السماء. وهناك جلس عن يمين الآب، وسيأتي ثانيةً في قفزة على الأرض من أجل الخلاص النهائيّ".
* أغسطينس الذي رأى أنّ إسرائيل يُسمى في الكتاب المقدس "شعباً" و "كرماً" و"قطيعاً" يرعاه الله، رأى في النشيد أن كلمة عروس هي الأجمل وهي التي تناسب الكنيسة، إسرائيل الجديد، ويقول: "أنتم تعرفون العريس، إنّه يسوع المسيح. أنتم تعرفون العروس، إنّها الكنيسة، فأكرموا العروس كما تُكرِمون عريسها، لتكونوا أبناءَها" (العظة 90)
في هذا الإطار تأمّلَ آباء الكنيسة في الغنى المعنوي الروحي الذي وصف به مار بولس الكنيسة بأنها جسد المسيح، مُطبِّقاً تلك العلاقة المقدسة على علاقة الزوج بالزوجة (أف5/25-27). وهنا القديس برنردوس يفهم التجسد على أنه سر زواج فيقول في عظة الميلاد: "إنّ الكنيسة، التي ينعشها شعور العريس إلهها وروحه، تريح حبيبها على حضنها، في حين أنّها تحتل للأبد المرتبة الأولى في قلبه وتحتفظ بها. ذلك بأنّها جرحت قلب عريسها. وأدخلت عين التأمّل حتى عمق أعماق الأسرار الإلهيّة. هو وهي يجعل كلٌّ منها مسكنه الأبديّ في الآخر".
* القديس غريغوريوس النيصيّ يفسر نش 1/5 "أنا سوداء لكنني جميلة يا بنات أورشليم" على أنها العبارة المُفضَّلة للتعبير عن هُويّة الكنيسة الغريبة، فالكنيسة الحبيبة مؤلفة من معمدين خاطئين يدعوهم الله من الظلمة إلى النور طوال حياتهم وطوال التاريخ، فهي مقدسة وخاطئة في نفس الوقت، والعريس يحبها رغم خطيئتها، يحبها بهدف تحويل بشاعتها إلى جمال سام: "لا تتعجّبوا من أنّ عريسي قد أحبّني حين كنتُ سوداء بفعل خطيئتي وأشبه بالظلمات بأعمالي. لأنّه جعلني جميلة بحبّه مُستبدِلاً جمالَه بتشويهي. وقد نقل إلى نفسه وَصْمة خطاياي فوهبني نقاوته، وإذ جعلني مُشارِكةً في جماله" ويتابع غريغوريوس أنّ في ذروة هذه المعجزة تبرز الكنيسة في نش 3/6 والتي يثير جمالها إعجاب واندهاش الحبيب: "0 مَن هذه الطالعة من البريّة كأعمدة من دُخَان معطّر بالمرّ والبخور وبجميع مساحيق التجار؟".
* والقديس أغسطينس في تعليقه على المزمور 103 يقول في نفس الموضوع أن نعمة الرب بيّضت وأنارت الكنيسة بالتوافق مع قول بولس" بالأمس كنتم ظلاماً، أما اليوم فأنتم نور في الرب (أف5/8): "أنت جميلة أيتها الكنيسة فقد قيل لك في نشيد الأناشيد: "أيتها الجميلة في النساء" (نش5/9)، وأيضاً "من هذه الطالعة مُبيَّضة" (نش8/9). إنها مُبيَّضة بالنور الذي يغمرها، لأنها ليست بيضاء من تلقاء نفسها... مَن هذه الطالعة مبيَّضة ومنيرة وبريئة من الدنس والتغضُّن (أف 5/ 28). أليست تلك التي كانت غارقة في مَوحِل المظالم؟ أليست تلك التي كانت تزني مع الأصنام؟ أليست تلك التي كانت مستسلمة لكلّ الأهواء الفاسدة وكلّ شهوات الجسد؟ مَن هي إذاً هذه الطالعة مبيَّضة؟"
لقد أخذ النشيد في القرون الأولى وانطلاقاً من هذا المفهوم دوراً في تفسير حياة الأسرار في الكنيسة، فالكنيسة بأسرها، من أوضع الناس إلى أرفعهم، مدعوة إلى أن ترى نفسها في حبيبة النشيد، وكل عضو فيها مدعو أن يرى في نفسه عروس المسيح التي تُوجَّه إليه كلماتُ الحبيب، وأن يتحلّى باستعدادات قلب العروس ليستطيع بالتالي أن يقول هو أيضاً كلمات الحبيبة. لأنّ الحياة المسيحية نفسها يُنظرَ إليها كأنها حقيقة زواجية، والأسرار تُحقِّق خصوصاً هذا الاتحاد الذي يتحدث عنه النشيد. القديس أمبروسيوس يُفسِّر سر التثبيت فيقول: "كما أنّ الروح القدس في قلبك، كذلك المسيح في قلبك أيضاً. كيف؟ إنّك تجد ذلك في نشيد الأناشيد: اجعلني كخاتمٍ على قلبك، كخاتمٍ على ذراعك" (في الأسرار 6/6).