عرض مشاركة واحدة
قديم 17 - 04 - 2013, 02:54 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,316,042

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: نشيد الأناشيد: قدس أقداس الكتاب المقدس

2- تفسير نشيد الأناشيد
انطلاقاً من نشيد الأناشيد كُتِبت نصوصٌ تعتمد القراءة التمثيلية وهي من أجمل ما كُتِب في الأدب الروحي المسيحي: تفسير أوريجانوس النموذجي والرائع في القرن الثالث، وتبعه غريغوريوس النيصي، ثم القديس برناردوس التي تتّسم مواعظه بالروحانية والعبقرية في القرن الثاني عشر، ثم النشيد الروحي للقديس يوحنا الصليب والذي هو تحفة التصوف المسيحي، ويوحنا السالسي وتريزا الأفيلية وغيرهم. هكذا نرى أنه لم يتجاسر أن يُفسِّر هذا الكتيّبَ الذي يتضمن نشيد حبّ الله لشعبه وحبّ الشعب لربّه إلاّ النفوسُ المشُبَعة بالحبّ الإلهي.
إن القراءة التمثيلية تقوم، كما رأينا سابقاً، على إعادة تفسير روحي فوري لدوريْ الحبيب والحبيبة، يتخطّى المعنى المادي والحرفي للنص إلى المعنى المجازي. هكذا من خلال كلمات الحبيبين في النشيد، نسمع الحوار القائم بين إسرائيل ويهوه، أو بين المسيح والكنيسة، أو بين المسيح والنفس الفردية. وقد شاعت هذه القراءة عند آباء الكنيسة في مدرسة الإسكندرية (اقليمنضس الاسكندري وأوريجانوس) ولاقت استنكاراً من مدرسة أنطاكية المعاصرة لها (تيودورس المصيصي ويوحنا فم الذهب) والتي كانت تهتم بحرفية النص ومعطياته التاريخية.
لقد أتت القراءة التمثيلية المسيحية للنشيد صدى للقراءة اليهودية ل "شير ها شيريم" والتي كانت تقرأ النص على أساس اقتناع لاهوتي ثابت، وهو أن الكتاب المقدس واحد، والتاريخ المقدس ينتمي إلى قصد واحد حيث تتجاوب الأحداث ويُمهِّد بعضُها لبعض ويُخاطب بعضُها بعضاً بوجه خفي، وبالتالي فَمَن يقرأ النشيد عليه أن يسير في داخل السر, ويتعرف على التخطيط الإلهي الذي يتجلّى شيئاً فشيئاً لبصيرة الإيمان.
لقد اعتبر التقليد اليهودي النشيد رمزاً تمثيلياً للمحبة التي يكنُّها الله لإسرائيل، والترجوم يعتبر أنّ النشيد يرسم مجمل تاريخ إسرائيل بطريقة رمزية، من موسى إلى عصر التلمود مروراً بالخروج من مصر وإعطاء الشريعة وبناء الهيكل وتدشينه، والجلاء والعودة وانتظار الملك المشيح. والمدراش يسير أيضاً على هذا النحو، فيعتبر مثلاً أن الفصح يشرح بإسهاب في نش 2/8-9 : "صوت حبيبي. هوذا مقبل وهو يطفر على الجبال ويقفز على التلال". هذا الحبيب هو تارة الله نفسه، وتارة موسى، وتارة المشيح الذي موسى هو صورة له، لأن عيد الفصح اتخذ تفسيراً أخيرياً ومشيحياً.
لكن النشيد يأخذ دوره أيضاً في قلب التقليد التصوّفي اليهودي منذ القرون الأولى، وخصوصاً في الحركة القبلانية التصوفية المتأثرة ب الزُهَر والذي اكتشف سفره (كتاب البهاء) على يد قابل اسباني في القرن الثالث عشر، وللنشيد فيه قيمة وإكرام كبيران حيث يعلن الزهر: "إن نشيد الأناشيد هو خلاصة الكتاب المقدس كله، وعمل الخلق كله، وخُلاصة سر الآباء...".
انطلاقاً من هذه الشهادة الإيمانية التي تعلن أن المسيح هو تحقيق لرجاء إسرائيل, ترى الكنيسة أن نصّ نشيد الأناشيد يعنيها بالدرجة الأولى، فالحبيب هو هنا المسيح والحبيبة تصبح صورة الكنيسة تارة في كيانها الجماعي، وتارة بوجهها الفردي. هكذا قرأت الكنيسة النشيد على أنه كلمة تختص في قلب الاختبار المسيحي، وفسره الآباء في هذا الإطار الروحي، ولنأخذ بعض الأمثلة:
* أوريجانوس في تفسير نش1/1 "ليُقبِّلْني بِقُبَلِ فمه" يقول إنّ هذا هو تنهُّدِ الحبيبة، شعب الله، التي عرفت الله على مدى تاريخ إسرائيل، ولكن دائماً من خلال تأملات تحجب صورته، ويضيف: "إلى متى يرسل إلي عريسي قُبْله عن يد موسى، وعن يد الأنبياء. إنها شفاه العروس نفسها التي أرغب أن أصل إليها. فَلْيأتِ هو نفسه ولْينزِل هو نفسه" (مواعظ في النشيد 1، 2، عدد 37 مكرر).
هذا الموضوع أيضاً تناوله في نفس الخط التفسيري القديس برناردوس والقديس يوحنا الصليب فرأيا في نفسيهما نفس الرغبة التي شعر بها إسرائيل تجاه العروس. من هنا نرى أن الحوار في النشيد يصبح كلمة الأزمنة الأخيرة كما أورده مار بولس في افتتاح رسالته إلى العبرانيين: "إن الله، بعدما كلّم آباءنا مرات كثيرة بلسان الأنبياء كلاماً مختلف الوسائل، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة بالابن الذي جعله وارثاً لكل شيء" (عب1/1).
  رد مع اقتباس