ب- قراءة تحليلية مبدئية للنشيد
يقسم أغلب الباحثين نشيد الأناشيد إلى مطلع (1: 2-4)، وخمس قصائد تتوزّع بحسب فصول السنة. تمثّل القصيدة الأولى (1: 5-2: 7) فصل الشتاء وزمن المنفى. والقصيدة الثانية (2 :8- 3: 5) فصل الربيع وزمن الخطوبة. والقصيدة الثالثة (3: 6- 5: 1) فصل الصيف والزواج. والقصيدة الرابعة ((5: 2-6: 3) تجعلنا نتردّد قبل أن نصل إلى فصل الخريف وقطف الثمار كما تحدّثنا عنه القصيدة الخامسة(6: 4-8: 4). وجاءت النهاية (8: 5-7) تعلن أنّ الحب قويّ كالموت. وكانت الأشعار الأخيرة (8: 8-14) بشكل صدى لما قيل في الأسفار الأولى.
إن ما يلفت انتباهنا ويثير تعجّبنا لدى قراءة النشيد هو أنه في زمنٍ كانت فيه المرأة خادمة للرجل، نرى في هذه القصائد أن الواحد يحب الآخر على قدم المساواة، في نضارة حنان لا يتنافى مع المصاعب. لذلك في قراءتنا المبدئية للنشيد يجب أن نأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
* علينا أن نقرأ النشيد أولاً بدون هدف، نقرأه كمستمعين لندع عالمه يخرج إلى الوجود.
* نحن أمام عالم ليس من الكلمات بل مع الأصوات. إنه عالم صوتي من النداءات والأصداء والأسئلة والأجوبة.
* النشيد لا يتحدث فقط عن الحب بل يغنّي الحب. إنه أولاً غناء. يؤكد ذلك تكرار الكلمات والعبارات والأدعية التي تواكب النص.
* إنه نشيد غُني وما زال يُغنّى، هذا الغناء هو حوارٌ، التعبير فيه مباشر. يتوجه الأنا إلى الأنت، أو يوحي الأنا بالأنت داخل المونولوج.
* هذا الحوار لا يؤدي بنا إلى معرفة هُوية المتحاوريْن: أهما حبيبان أم زوجان، أم خاطبان... النص يوضح الحب الذي يربط بين رجل وامرأة حبيبين يشيدان بالحب الذي يشدّ الواحد إلى الآخر: فهو فقط ما تقوله هي فيه، وهي الخليلة أو العروس.
* إن صوت المرأة في النشيد هو الأكثر ارتفاعاً فهي تفتتح القصيدة وتختمها، لكن الرجل هو الذي يشد الرغبة ويقود القصيدة إلى الأمام.
* إن هذه الإشادة بالحب تدل على أن عبارة الحب هي واحدة في ذروتها وكمالها، وهي تؤدي إلى كلمة واحدة وحيدة. إنها تخلق الوحدة من دون أن تمحو الاختلاف والبعد بين الواحد والآخر، وهما أمران لا يقوم أي حوار من دونهما.