v كالعصفور؟
العصفور صديق داود، وهو كثيراً ما يذكره في مزاميره العذبة، لاسيما حين يكون في شدة أو ضيق. إن صغر حجمه وهشاشة تكوينه، وضعف قدراته أمام ما يواجهه من قوة أعداءه من الجوارح والصقور والنسور والزواحف، بل ومن بني البشر الذين يطاردونه بالفخاخ والنبال... تجعل من استمراره في الوجود إلى اليوم، علامة قوية على حضور أقوى.أما كان لهذا العصفور الضعيف أن ينقرض أمام كل هذا التهديد الحياتي اليومي من كائنات تفوق قدرته وقوته وحجمه عشرات بل مئات المرات...؟ لكنه باق...علامة أن من خلقه وأوجده جالس هناك يرقبه ويحميه ويعتني به، بل وينصره على مواجهة أعداءه الذين يطلبون حياته، على الرغم من قوتهم الجبارة ومكرهم وسعة حيلتهم، أمام بديهية انتصار وتفوق قوتهم الجبارة على ضعفه وهشاشته.
لقد استخدم الرب يسوع نفس الصورة، للتعبير عن عناية الرب بأحبائه ورعايته لهم، وذلك في الموعظة على الجبل" تأملوا طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في الأهراء، وأبوكم السماوي يقونها" (متى 5 : 57 ) " أليست عشرة عصافير تباع بفلسين لكن واحدٌ منها لا ينسى قدام الله" ... وهكذا لم يُسمع في تاريخ الكون كله، ولا حتى في تاريخ الكوارث والمجاعات والقحط الذي كثيراً ما أصاب البشر في مختلف البقاع على مدار التاريخ، أنّ عصفوراً واحداً وُجد ميّتاً من الجوع!!! فالله نفسه هو الذي يعوله ويحميه ويدعم وجوده وينصره على جميع أعداءه " الفخ انكسر ونجوت كالعصفور" ( المزمور222) وأعظم دليل على هذا الدعم الإلهي لذلك الكائن الهش، هو بقاءه إلى اليوم دون أن ينقرض.
2- - لأن الأشرار يحنون القوس، ويسددون سهامهم في الظلام، ليرموا كل مستقيم القلب:
تقدم لنا الآية الثانية صورة عن الخطر المحدق بالمرتّل (القوس- السهم). في هذه الحالة الخطيرة، يرفض المرتّل نصائح الأصدقاء، ويعلن إيمانه بإله صهيون وإله السماء الجالس فوق الكون كله. "لأن الأشرار يحنون القسيّ، وقد هيّأوا سهامهم في جعبتهم ليضربوا في الظلمة "أصحاب القلوب المستقيمة". وحسب ترجمة أخرى: "كما في الظلمة".
آلات الحرب معدّة، ورحى القتال توشك أن تدور، لتطحن عظام الصدّيق... لقد وضع الأشرار السهام في أقواسها وجذبوا أوتارها، ووجهوها بدقة وحنكة نحو الهدف الوديع الساكن في سلام لا يدري عما يُحاك له شيئاً، وسينطلق السهم في ظلام الليل دون أن يتوقعه الصدّيق، أو يبصره أو حتى يعرف مصدره ليتلافى شره ولو بالانبطاح على الأرض أو الاختباء خلف ساتر...
أين المفر إذن وقد أحاط الأشرار به إحاطة السوار بالمعصم، وحاصروه يريدون التخلص منه ومن نسله، بل من كل من يتبعه أو يتشبّه به أو ينحاز إليه...كل مستقيم القلب هو عدوهم يعدّون له نفس المصير، فكيف يهرب من هذا الطوق الذي يحاصره من أعلى نقطة ومن جميع الجهات؟.
3- إذا انهدمت جميع الأسس فماذا يعمل الأبرار؟":
"لأنهم دمّروا كل ما صنعته باتقان". وحسب ترجمة أخرى: "لأن النواميس قد انقلبت". وترجم مفسّر آخر: "لأن تعاليم الحقيقة قد ديست بالأرجل" نجد في الآية الثالثة فكرة عن الفوضى الضاربة في المجتمع بسبب غياب المسئول عن إجراء هذه العدالة، من مسحه الله وأقامه ملكاً، ليحكم بالعدل والاستقامة لشعبه...
" العدالة الغائبة " كانت قضية داود وكل الأنبياء من عاموس النبي إلى المسيح، ومازالت إلى اليوم تمثل قضية البشرية الأولى وأزمتها. فالقوانين والنواميس والشرائع تحدد أساس التواصل بين الخالق والخلائق وتنظم العلاقة بين الخلائق وبعضها. ولقد ميز الله البشر بما هو أعلى وأسمي لتأكيد وتوطيد هذه العلاقة بينه وبين الناس، حتى أنه زرع شريعته في ضمائرهم، وعقد معهم العهود وسلمهم الشريعة وسن لنا لهم القوانين التي تحفظ النظام والتكافؤ والعدالة بين الجميع ، لا تفرق بينهم فهم جميعاً أبناء شعبه المحبوب " إذا حفظتم شريعتي وسرتم حسب وصاياي تكونون لي شعباً وأكون لكم غلهاً وأعطيكم..." وأقام الملوك والكهنة ومسحهم أمناء على شريعته