قال فعل ماض، يعني حدوث فعل في الزمان، وهو يختص بعمل لا يستطيع كائن آخر غير الإنسان أن يقوم به فهو وحده الكائن الناطق القادر على الكلام والقول، خلق له الله اللسان وأعطاه العقل ليفكر ويمجد ويسبح بلسانه، لكن اللسان تحول إلى أداة بشعة للسب والشتم والقذف وشهادة الزور، بل تجاوز الأمر ذلك إلى التجديف على الله ذاته وإنكار وجوده (يعقوب: 3)
v الجاهل:
المرنّم يضعنا اليوم أمام أشد النماذج سفاهة وتعدياً، "الجاهل"!!! ركز المزمور على وصف الإنسان الجاهل (في العبرانية نابل) ؛ وقد ظهر "الجاهل" في سفر المزامير خمس مرات ، مرة هنا ومرة في المزمور 53 حيث يقول "لا إله". ومرة في (مزمور 39: 8)وهو يُهين البارَّ ويُعيّره. أما في مزمور 74 فقد تكرر مرتين (18، 22) وهو يهين اسم الله. وقد استُخدم المزمور كلمة "نابال" بمعنى "جاهل" والكلمة العبرية مشتقة من فعل "بهت" أو "جف" كأوراق الخريف الساقطة؛ وقد ارتبطت في بادئ الأمر بالسلوك الأخلاقي المنبوذ ثم استخدمت للتعبير عن تدنيس المُقدَّسات وكذلك عن الانحطاط الخلقي وانعدام القيم عند الإنسان الجاهل.
يقدم لنا الكتاب المقدس صورة صادقة عن جهل "نابال" زوج أبيجايل الذي أهان داود وكاد بجهله وغلاظة قلبه وتعديه أن يبيد نسله وذريته (1 صموئيل 25). بعد ذلك تطور مفهوم "نابال" فصار تعبيرا عن العمل الأحمق الذي يمس الجماعة بضرر شديد، ثم صار استخدام الفعل مقترنًا بالفساد الجنسي (تكوين 34: 7؛ تثنية 22: 21؛ قضاة 19: 23، 1 صموئيل 13: 11). واخيراً استخدمت كلمة "نابال" للتعبير عما يشكل تهديداً يهدد استقرار الجماعة كما في (أمثال 30: 21-23). أما بالنسبة للأنبياء فكانت تشير إلى خيانة الأمة كلها للعهد مع الله وخيانتهم لبعضهم البعض (إشعياء 9: 15-17؛ أرمياء 17: 11، نحميا 3: 6) نستطيع من خلال تاريخ إسرائيل الطويل، أن نخلص إلى تاكيد بارتباط الجهل (نابال) بانحلال الأسرة والمجتمع والعهود. وإذ كان للجهل أثره الوخيم في بادئ الأمر على الأسرة فقد انتقل الأثر إلى المجتمع الديني الأكثر نقاوة.
وأخيراً الجاهل في الكتاب المقدس والكتب الحِكميّة هو عكس الحكيم، فبقدر ما كان الحكيم ممدوحاً من الرب حيث يعرف الله ويسبحه ويطلب مشورته ويقبل إرادته في حياته ولا ينطق فمه بالفساد وكلمة الشر لا تخرج من فمه. كما بلغ حب الحكمة ومدحها حداً اقترب من ربط اسمها باسم الله نفسه، فاقترنت بأفلاكه المُسبّحة له في كل حين والناطقة بمجده. بينما صورة الجاهل عكس ذلك تماماً، فهو مَن يجهل الشريعة، ويتلذذ بالخطيئة كما يتلذذ الخنزير بالحمأة.
وقد امتد هذا المفهوم ليشمل حميع الشعوب الوثنية " الأمم" التي لا تعرف الله. وأغرب ما في الجاهل هو جهله بجهله، أي بأنه جاهل... فلا بأس بجاهل يعرف قدر نفسه ولا يتجاسر على الخوض في أمورلا يدرك أبعادها؛ فمَن مِن البشر مهما بلغت حكمته يستطيع ان يُلم بكل المعارف..! ليس هذا الجهل هو ما يتحدث عنه كاتب المزمور، بل يقصد من يعيش في ظلمة الجهل والضلال ، بينما يعتبر نفسه عالماً، ويتحدث في أمور لا يدركها ولا يستطيع عقله غير المستنير بنور الحكمة الإلهية أن يستوعبها. ويتمادى في جهله بالسخرية من حكمة الحكماء ويضطهدهم.