v وأشراك الموت نصبت قدامي:
يا لهول ما يصفه داود من معركة حامية الوطيس، رأيناه في نصف الآية الأول محاصراً من جميع الجهات بلا منقذ ولا مفر... وبتدارس الأمر مع صحبه رأى أن هناك مجالاً للهرب إذا طرقوا سبيلاً معيناً! وهذا ما قصده شاول حيث نصب هناك فخاً ينتظر أن تسقط فيه الفريسة المحاصرة فيلتقطها وينفذ إرادته فيها. لكن هل سيسمح الله بذلك وماذا سيفعل ...؟
7 - في ضيقي دعوت الرب وإلى إلهي صرخت، فسمع من هيكله صوتي وبلغ صراخه أذني:
ما أضيق الحياة، كيف حاصرك العدو هكذا أيها البريء الطاهر اليدين النقي القلب؟ وكيف صرت فريسة تكاد تسقط بين براثنه ويقضى عليك؟ وكيف تجردت عن كل قوة أيها الجبار منقذ إسرائيل ومخلص شعبك من قبضة الفلسطيني! لم يبق أمامك من سبيل يا نبي الله، حتى الفرار صار مستحيلاً، فأين تحلق أيها العصفور! ماذا ستفعل أتستسلم فتسقط الراية ليدوسها العدو معلناً انتصار معسكر الظلام؟ أتركع أمام قوى البغي وأنت المسيح المختار؟ كلا لأنك تعرف أن ظلام العالم كله لا يمكن أن يخفي نور شمعة واحدة، وأنه إن سدت سبل العالم أجمع فسيبقى سبيل الله مفتوحاً.
v في ضيقي دعوت الرب :
لم يبق لك إلا الدعاء، والدعاء إلى الرب وحده، فمن غيره يمكن أن ينجي. والمزمور يعلمنا أن نصلي في زمن الضيق ونطلب وإلحاح بل ونصرخ بلا خجل.
v إلى إلهي صرخت :
حيث لم يعد الدعاء كافياً فلنبدأ بالصراخ، "أصرخوا عسى أن يسمعكم" هكذا كان إيليا يسخر من كهنة البعل الذين راحوا يصرخون إلى المساء ولكن ليس للبعل من آذن فيسمع أو عيون فيرى... بينما يعرف داود كما إيليا أن الرب يرى ويسمع ويتحرك نحو صراخ محبيه المضطهدين ظلماً وينزل ليتمم لهم خلاصه العجيب.
v وبلغ صراخي أذنيه :
أخيراً، أتت لحظة الخلاص! لقد أرعبتنا يا داود بهذا الوصف الدقيق والرهيب لتلك المعركة التي لولا أنك تحكيها بنفسك وتغنيها وترنمها وتلحنها على أوتار قيثارتك، لكنا أيقنا أن البطل قد انتهى وأن العدو قد أنتصر إلى المنتهى، أروِِ لنا إذن متى سمع الرب صراخك؟ وكيف شعرت بهذا؟ وما علامة ذلك لتجزم بتلك الثقة أنه قد سمع؟
القسم الثالث: معركة الرب وتدخّله العجائبي: في أربع مظاهر (8- 28):
8 - فارتجت الأرض وارتعشت وتزعزعت أسس الجبال ومادت من شدة غضبه :
ظهور الله حين يسمع الربّ صلاة عابده، يحرّك الطبيعة كلّها. فسيّد التاريخ هو سيّد الكون لأنه خالقه. ويعبّر المرتّل عن ذلك بصور عن زلزلة الأرض، وتدخين الجبل بسبب البركان. نزل الله على الغيوم، فاستشاطت العاصفة وكان البرد والرعد وعلا صوت الله، والبروق التي تفتح أتلاماً في السماء، والمياه التي تتحرّك من مكانها.صوّر المرتّل هذه الخبرة الروحيّة، فاستعان بذكريات من العالم الوثنيّ حيث الآلهة تصارع قوى الطبيعة قبل أن تتغلّب عليها. ولكن المرتّل نقَّى صُوَره من كل ما يشتم منه رائحة شرك، وهذا ما يبيّن أن المزمور يختلنك عما نقرأه في سائر آداب الشرق.
الربّ وحده يملك على كل هذا، وقدرته تجعل الشاعر هادئاً رغم تحرّك الكون كله. لا نجد خوفاً ولا رعدة، بل مهابة ووقاراً. ولقد عاد إلى نصّ سفر الخروج حين التقى الرب بشعبه على جبل سيناء (خروج 19: 16)، وإلى نص سفر الملوك الأول (19: 11- 12) حين كلّم الرب إيليا، كما استعان بهتاف الشعب بعد عبور البحر الأحمر (خروج 15: 1) وبنشيد دبورة (قضاة 5: 1)، فعاد إلى تاريخ الخلاص.