القسم الثاني: أهـوال الجحيم وعالم الموت (5-7):
5 - حبائل الموت اكتنفتني وباغتتني سيول الهلاك :
الفعل "اكتنفتني" أُستخدم أولاً في (هو 6: 3، 6) في وصف عملية إحاطة مدينة لتدميرها.يصوّر الملك الخطرالذي يكتنفه ويضيّق عليه؛ كأهوال عالم الموت، ويشبّه النبي الموت بمارد يقيد ضحيته أو صياديُمسك بفريسته أو بعنكبوت يغزل شباكه حول ضحاياه فيوقع بها ليلتهمها، وعندما تلتف تلك الخيوط الرهيبة حول الفريسة، تحاول أن تشل حركتها وأثناء محاولتها التخلص من تلك "الحبائل" تنهك قواها فتنهار مستسلمة للعدو يمتص دماءها ويهلكها. الحبائل تعبر عن قوة الشر الذي يحاصر الإنسان كشبكة من حبال تكتنفه من كل جهة فيهلك وتشل قواه ويستسلم للعدو فيقضي عليه.
v باغتتني سيول الهلاك :
عندما تسقط مياه الأمطار على سفوح الجبال تتجمع مندفعة إلى أسفل وتأخذ في طريقها ما يقابلها من حصى وصخور، تشكل ظاهرة تسمى السيول ولها قوة هائلة على التدمير فقد تزيل مدناً كاملة وتحولها إلى أطلال بل قد لا تبقى حتى على أطلال أو أي أثر... وقد حدثت في مصر منذ سنوات سيول رهيبة اكتسحت قرى وأزالت منازل وأهلكت الإنسان والحيوان... والأكثر رعباً في ذلك الحدث هو عدم توقعه ( كما حدث في مصر ) حيث نادراً ما يمطر فكيف تمطر لدرجة أن تحدث سيولاً...! وكلمة سيول الهلاك أو "المخاض" تعني "من يتلوى ألماً" كامرأة في حالة مخاض، هكذا يقول المرتل إن المتاعب قد أحاطت به كامرأة تلد، لا حول لها ولا قوةً، تتعرض لخطر الموت.ويرى البعض في قوله "أمخاض الموت" إشارة إلى أن الموت يحيط بالإنسان حتى قبل ولادته، وهو في بطن أمه تتمخض به، يتابعه ليلحق به في طفولته وصبوته وشبابه وشيخوخته حتى يدخل به إلى الجحيم.
المرعب في كلا الأمرين هو عنصر المباغتة فداود لم يكن يتوقع من شاول الذي يخدمه بعمره ويضحي لأجله بدمه وحياته، أي غدر، فكيف يراه يهبّ بغتة كسيل يريد أن يكتسح حياته ...
6 - حبائل الموت أحاطت بي، وأشراك الموت نصبت قدّامي:
حيث يتذكر داود في صلاته تلك اللحظة الرهيبة والمطاردة الغير متكافئة الأطراف بين شاب وديع حالم ونفر قليل من أصدقاءه المخلصين، وبين ملك طويل الباع متمرس على الحرب والقتال مدعوم بقادة وجيوش، تتحرك في خطط مُحكمة وتتسلل لتحيط بالموقع الذي يختبئ فيه داود وأصدقاءه الأوفياء ، ثم تبدأ الدائرة في الانحسار رويداً رويداً بتقدم الجيوش من جميع الاتجاهات، فيجد داود وصحبه أنفسهم محاصرين من كل جهة وقد أحاطت بهم حبائل الموت ، تخنق كل رجاء وتقضي على كل أمل مهما كان ضئيلاً .