القديس يوحنا كاسيان[94]
* أنصت إلى داود الذي صار مشهورًا على وجه الخصوص بسبب انسحاق نفسه. كيف بعدما صنع كثيرًا من الأعمال الصالحة، وعندما كان مطرودًا من بلده وبيته بل ومن الحياة عينها، في وقت كارثته رأى جنديًا سخيفًا منبوذًا يمتهن كرامته ويسبه، لم يرد له السب بل ومنع أحد قواده من قتله قائلًا: "دعوه يسب لأن الرب قال له سب داود" .
القديس يوحنا الذهبي الفم[95]
ما أعجب قلب داود المتسع حبًا حتى تجاه مضايقيه، فإننا نجده دائمًا لا يطلب النقمه لنفسه، بل يُقابل الإساءة الشخصية باتساع قلب.
ربما ثارت مشاعره الداخلية في البداية لكن الله ملأ قلبه بتعزيات فائقة أساسها:
أ. شعر أن هذا السب هو بسماح من الله لتأديبه فقد كان رجل دماء لا بقتل شاول أو أحد رجاله كما قال شمعي وإنما بقتلهأوريا الحثي
... لذا لاق به أن يتقبل السب بفرح كما من قبل الله، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه متى شتمك إنسان بقوله لك: "يا زانٍ"، لماذا تغضب؟ ألم يمر عليك قط فكر زنا أو شهوة رديئة في شبابك؟ احسب ذلك تأديبا عن أفكار شبابك.
ب. إن كان ابنه أبشالوم قد ثار ضده واغتصب منه العرش، وهو لا يضمر الانتقام منه، فلماذا ينتقم من بنياميني سبه دون أن يغتصب منه شيئًا؟!
ج. حسب داود النبي هذا السب فرصة للتذلل كطريق لاغتصاب مراحم الله.
٣. المناداة بأبشالوم ملكًا:
جاء أبشالوم ومعه الرجال من كل الأسباط - خاصة يهوذا - وأخيتوفل، جاء ليملك دون أن يسفك دمًا، فقد هرب داود ورجاله حتى لا يهلك أحد بسببه.
فوجئ أبشالوم بتقدم حوشاي الأركي صديق داود إليه وهو يقول: "ليحيا الملك ليحيا الملك". إذ لاحظ حوشاي الأركيتعجب أبشالوم قال بحكمة: "الذي اختاره الرب وهذا الشعب وكل رجال إسرائيل فله أكون ومعه أقيم. وثانيًا: من أخدم؟ أليس بين يدي ابنه؟! كما خدمت بين يدي أبيك كذلك أكون بين يديك" [١٨-١٩].
هكذا قدم حوشاي مبررات لعدم هروبه، حتى يثق به أبشالوم فيكون سندًا لداود في داخل القصر.

٤. أبشالوم وسراري أبيه:
كان أخيتوفل مشيرًا لأبشالوم، يسمع له الملك الجديد كما لله، حاسبًا مشورته كمن يسأل كلام الله [٢٣]، مع أنها كانت مشورات شريرة من قبل إبليس، تحمل حكمة أرضية شهوانية (١ كو ٥: 1).
أول مشورة قدمها له أخيتوفل هي أن يدخل على سراري أبيه اللواتي تركهن داود لحفظ البيت. صنع أبشالوم ذلك على السطح لكي يتأكد الكل أن الكراهية ضد داود قد بلغت أشدها وأنه لا مصالحة بينه وبين أبيه.
لعل أخيتوفل أشار بذلك على أبشالوم خشية أن يحن الابن يومًا ما لأبيه فيصالحه، وبهذا يصير موقف أخيتوفل حرجًا أمام صديقه القديم داود. إنه خائن لا يقدر أن يواجه داود!
تم ذلك على السطح الذي سبق فتمشى عليه داود ليختلس نظرة شريرة لامرأة غريبة، هوذا ابنه يضطجع مع سراريه علانية في ذات الموقع!