29 - 03 - 2013, 12:00 PM
|
رقم المشاركة : ( 2 )
|
..::| مشرفة |::..
|
رد: البابا سيمون (الثاني والأربعون في عداد بطاركة الإسكندرية) (684-691م)
البابا سيمون
(تكملة)
(الثاني والأربعون في عداد بطاركة الإسكندرية)
(684-691م)
توقفنا في الجزء الأول من سيرة هذا البابا (عدد نوفمبر 2004، ص 25) عند التجربة التي ألَمَّتْ بالبابا سيمون في حادثة رسامة أسقف وكاهنين لكنيسة الهند بيد بطريرك مخالف للعقيدة، لكن التهمة لصقت بالبابا سيمون، وحجز الوالي البابا والأسقف والكاهنين. ولما عَلِمَ الوالي بالحقيقة، أطلق سراح البابا. وبعد ثلاث سنوات أطلق الأسقف والكاهنين إلى بلادهم. ولكي يُعوِّض الظلم الفادح على الكنيسة، أمر ببناء كنيستين في ضاحية حلوان، وكان الأساقفة ينفقون على عمارتهما، وأوكل الأنبا غريغوريوس أسقف القيس بالإشراف على بنائهما. كما أمر بالإفراج عن الهنود المعتقلين والسماح لهم بالعودة إلى بلادهم.
مهارة العمال والفنيين المصريين واستخدامهم بواسطة الوالي:
ويحكي المؤرِّخون عن مهارة الصُّنَّاع المصريين في مختلف الصناعات. فتروي الأخبار التاريخية أن ملك النوبة أوكل إلى نجار مصري من دندرة بالصعيد الأعلى لعمل عرش ليُقدِّمه إلى عبد الله بن سعد أيام أن كان والياً على مصر، لأن هذا النجار كان معروفاً بحُسْن الذوق وبالدقة في العمل.
كذلك كانت الترسانة المصرية (لعمل المراكب الكبيرة والحربية) ذات شهرة واسعة، إلى درجة أن والي مصر عبد العزيز بن عبد الملك بن مروان اختار 300 عامل من عمال هذه الترسانة، وأرسلهم إلى تونس بشمال أفريقيا ليُنشئوا ترسانة بتلك المدينة. كذلك ذهب عدد مماثل من الصُّنَّاع المصريين إلى القدس للعمل هناك( ).
قصة عن خطورة تصرُّف المؤتمنين على أموال الكنيسة
بغير الترتيبات الموضوعة عن هذا العمل:
ويسرد كاتب تاريخ البطاركة في سيرة هذا الأب سيمون أن الإيكونوموس المتولِّي على حفظ مال الكنيسة، وكان قسًّا، لم يُطِع تحذيرات البابا في كل وقت قائلاً له: ”يا قس مينا لا تَدَع في منزلك أي مال من أموال الكنيسة بحسب قوانين البيعة، وإلاَّ ينزل عليك البلاء“. ولكن القس لم ينصت لهذا التحذير. ثم إن الله أنزل عليه مرضاً، إذ التصق لسانه بحنكه، وزال عقله، وكان يمضغ (أو يعضّ) لسانه وهو نائم، وكانت هذه الحالة مثل الصرع، حيث كان يقع على الأرض ويتشنَّج وثلاثة رجال يمسكونه لكي لا يعمل أي شيء يؤذيه. وكان الأب البطريرك سيمون مهموماً لأجله ولأجل مال الكنيسة الذي تحت يده ولا أحد يعرفه غيره.
(تقضي قوانين الكنيسة أن يكون لأموال الكنيسة بيان مُفصَّل يراجعه كهنة الكنيسة وأراخنتها، حتى إذا مات الأسقف أو الإيكونوموس المسئول عن هذا المال لا يضيع أو يتبدَّد في غير ما وُضِع له). وهذا ما حدث، إذ قارب هذا القس على الموت، فأرسل البابا إلى زوجة الكاهن ليسألها إن كانت تعرف مكان الأموال. ومن قبل أن يصل رسول البطريرك إلى البيت خرج صوت المناحة من البيت بأن القس قد مات فعلاً. ولما توفي ألبسوه ثياب الكهنة وأضجعوه على مرقده كعادة أهل الإسكندرية وهو لابس ثياب التقديس.
فلما وصل رسول البطريرك إلى البيت الذي كان مضطجعاً فيه وحوله جمع كثير من الكهنة، انحنى عليه ليُقبِّله كالمعتاد. وفجأة وثب القس جالساً وعلَّق يديه في رقبته وصرخ: ”الله الواحد إله الأب الطوباني أنبا سيمون“.
فلما نظرت الجموع المجتمعة حوله ذلك الأمر، هربوا خوفاً من رسول البابا. فقال له الرسول: ”ثق وتقوَّ يا قس مينا“. فأجاب القس وقال له: ”بصلوات سيدي الأب البطريرك أبا سيمون، وهب الله لي الحياة مرة أخرى“. فاستدعى الرسول الكهنة وبقية مَن كان في البيت ليسمعوا ما يقوله القس مينا (أموال الكنيسة يجب أن يُعرف محتواها على يد شهود)، ثم قام وأخرج جميع مال الكنيسة وسلَّمه للرسول، وهذا سلَّمه للأب البطريرك الذي سلَّمه بدوره إلى تلميذه الروحاني هذا، ثم رقد بعد ذلك.
+ تذكُر وثيقة ”تاريخ البطاركة“ هذه الحادثة الغريبة لتحذِّر من إخفاء أموال الكنيسة أو التستُّر عليها أو استخدامها لغير أعمال البر ومشاريع الكنائس، أو عدم إظهار تفاصيلها بدقة للمسئولين عن مراقبة هذه الأموال كما رتبت ذلك قوانين الكنيسة.
اهتمام البابا باختيار الأساقفة المستحقين
والتدقيق في مؤهَّلات هؤلاء الأساقفة:
ثم انصرف البابا إلى اختيار قوم روحانيين مضيئين في أفعالهم متبحِّرين في الكتب (الأسفار المقدسة) والعلوم الكنسية (أي كتابات وشروحات آباء الكنيسة الأبرار)؛ هكذا يُسجِّل مؤرخ سيرة البابا سيمون طريقة اختيار الأساقفة. وكان يرسم هؤلاء أساقفة في كل مكان يحتاج إلى أساقفة. وكان أول الذين سامهم أخوه في الرهبنة الأنبا طلموس الذي أقامه أسقفاً على كرسي منوف العُليا، والأنبا زخارياس أسقف مدينة سخا، وكثيرين غيرهما؛ هؤلاء رسمهم البابا على الكراسي يرعون الخراف الناطقة.
في طريق الأرض كلها:
وأقام البابا سيمون 9 سنين ونصف بطريركاً. وفي يوم الخمسين، عيد العنصرة، أحسَّ بتعب شديد، وعَلِمَ بالروح أنه ألم النياحة. فقال لتلميذه: هَلُمَّ نمضي إلى الوادي المقدس، وادي هبيب (برية شيهيت) لآخذ بركة القديسين والرهبان، فقد لا أعود ثانية لأراهم بعد هذه المرة في الجسد. فترك حلوان (لأنه كان قد توجَّه إليها من الإسكندرية حينما كان يختار الأساقفة حتى يرسلهم إلى كراسيهم). وهكذا توجَّه إلى وادي هبيب وأخذ بركة الآباء القديسين الرهبان، ثم عاد إلى الإسكندرية؛ فانتقل، بأحكام الله غير المُدرَكة، إلى كورة الأحياء. وكان ذلك في الرابع والعشرين من أبيب سنة 691م، ودُفن في دير الزجاج حيث جسد أبيه الروحي يؤانس (يوحنا)، وذلك بحسب وصيته.
لمحة ولفتة من ناسخ سيرة البابا سيمون:
يلمح الباحث في المخطوطات القديمة بعض لمحات من ناسخ السيرة تبيِّن الاتجاهات الروحية للكنيسة في ذلك العصر. ففي نهاية سيرة البابا سيمون يذكر الناسخ أنه بعد وفاة الأب الجليل أبا سيمون لحق الأقباط ألم وحزن عليه، لأنهم فقدوا راعيهم في وقت صعب وبلايا من الولاة. ويختم الكاتب بقوله: ”ولم يزل المسيح يُدبِّر البيعة“.
فالبشر زائلون يجيئون ويرحلون من دنيا الفناء هذه؛ أما الرب يسوع المسيح فهو دائماً أبداً الراعي والرأس الأبدي الحي إلى الأبد، القائم على تدبير الكنيسة، والضابط لكل شيء فيها، الجيد والرديء؛ ليُحوِّل الكل إلى تحقيق مقاصده الأزلية في كنيسته لتظل كنيسة شاهدة أمينة على كنز الخلاص الأبدي للبشرية التي أودعها فيها المسيح.
|
|
|
|