د- قراءة متتابعة لسفر الرؤيا
V"هذا ما كَشَفَه يَسوعُ المَسيح بِعَطاءٍ مِنَ الله، لِيُرِيَ عِبادَه ما لا بُدَّ مِن حُدوثِه وَشيكاً. فأَرسَلَ مَلاكَه إِلى يوحَنَّا عَبدِه يُشيرُ إلَيه ". (1/1)
يبدأ الكتاب بفعل كشف، وهو الفعل الذي أعطى للكتاب اسمه، وكأنّ الله يكشف عن وجهه، يسمح لشعبه أن يراه من خلال الأحداث والتاريخ. ومن كشف سرّ الله؟ يسوع المسيح. لذا فيسوع هو محور سفر الرؤيا. ويسوع كشف هذا السرّ بعطاء من الله. لذا فهذا الكتاب هو كتاب نعمة لأنّ عطيّة الله هي دائماً نعمة وهديّة. ولماذا كشف الله سرّه؟ ليُظهر لعباده، أي لّلذين يعبدونه "ما لا بدّ من حدوثه وشيكاً".وما سيحدث ليس إنباءً بالحروب والخراب، بل هو الخلاص الذي سيظهر وسطها. وهذا ما يُسَمّى باللغة اليونانية: Kayros، الحدث الذي سيأتي ويغيّر التاريخ.
V"فشَهِد يوحَنَّا بأَنَّ ما رَآه هو كَلِمَةُ اللّهِ وشَهادَةُ يَسوعَ المَسيح". (1/2)
"شهد يوحنا"، لم يتخيّل بل رأى كلمة الله وشهادة يسوع. ويسوع هو الشاهد، هو الذي رأى وجه الآب وهو الذي يستطيع أن يخبر عنه. كما ورد في إنجيل متّى: "من رآني رأى الآب، ولا أحد يخبر عن الآب إلاّ الإبن".
V"طوبى لِلَّذي يَقرَأُ ولِلَّذينَ يَسمَعونَ أَقوالَ النُّبوءَة ويَحفَظونَ ما وَرَدَ فيها، لأَنَّ الوَقتَ قدِ اقتَرَب". (1/3)
"طوبى للذي يقرأ والذين يسمعون...". نستشفّ من خلال هذه الآية أنّ الرسالة موجّهة لأناس يحتفلون ضمن إطارٍ ليتورجيّ، وكأنّها عظة، كلمة الله، يشرحها الكاتب بطريقة رمزية. والرائي هو من يتأمّل كلمة الله، يفهمها وينقلها للآخرين. فالطوبى لهم لأنّهم يسمعون كلمة الله. الطوبى لهم لأنّ الوقت قد اقترب، أي أنّ الأحداث تتسارع، فقد اقترب زمن الخلاص. والطوبى موجّهة لي أنا اليوم حين أقرأ هذه الرسالة.
V"مِن يوحَنَّا إِلى الكَنائِسِ السَّبعِ الَّتي في آسِيَة. علَيكمُ النّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ الَّذي هو كائِنٌ وكانَ وسيأتي، ومِنَ الأَرواح السَّبعَةِ الماثِلَةِ أَمامَ عَرشِه" (1/4)
إلى "الكنائس السبع"، ورقم 7 يرمز إلى الكمال، فالكنائس السبع ترمز إلى الكنيسة الكاملة والشاملة. وهذه الكنائس هي: أفسس Éphèse، أزمير Smyrne، برغامس Pergame، تياخرة Thyatire، سارديس Sardes، فيلدلفية Philadelphie واللاذقية Laodicée.
وأوّل ما يتوجّه به الكاتب هو النعمة والسلام وليس أيّ سلام بل السلام الذي هو "من لدن الذي كائن وكان وسيأتي". وهنا دلالة إلى العهد القديم مع موسى في سفر الخروج حين سأل موسى الله ماذا يقول لشعبه إذا سأله من يخاطب، فأجابه الله "أنا هو الذي هو"، والنعمة والسلام من "الأرواح السبعة" أي الروح القدس، روح الكمال المنبثق من الآب والابن. والنعمة ترمز إلى الشعب اليوناني الوفيّ الذي يحبّ الجمال والفنّ والرسم، وهو شعب مثقّف يؤمن بالنعمة (Grâce). أمّا السلام فيتوجّه به إلى الشعب اليهودي، والى أورشليم مدينة السلام.