مستند رقم 1
أساسيات لابد منها:(بقلم الأب يوأنس لحظي جيد)
1.إن مفهوم "الإنزال" ليس مفهوماً مسيحياً، لأن الإنزال يعني أن النص قد سُجّل بطريقة حرفيّة آليّة ليس لإنسان أي دورٍ فيها، أي أن الله يملي النبي والنبي ينقل حرفياً ما قد سمعه من الله. وكلنا في المسيحية نؤمن بالوحي والإلهام (يتفق حولهما جميع المسيحيين باختلاف طوائفهم) الَّذي يعني أن المؤلف كان لديه أفكار عن الحقائق الَّتي أراد أن يكتبها، هذه الأفكار جاءت نتيجة لعلاقته الصميمة والعميقة بالله، ونتيجة لتأملاته وتساؤلاته، فكتبها بأسلوبه الخاص وبتفكيره الشخصي، وبلغته الأدبية (ولذلك نستطيع أن نتعرّف على كثير من صفات الكتّاب القديسين من خلال كتاباتهم، وكذلك ظروف حياتهم، وصعوبات زمانهم، وملامح بيئتهم…). وهنا تجدر الإشارة بأن ما يفرق عملهم عن أي عمل أخر هو أن في داخل عملهم وتعبيراتهم البشرية هناك مضمون الهي وفكر الهي، فكر يضمن صحة ما كُتب ويوحد الكتاب المقدس الَّذي كُتب عبر سنوات وسنوات طوال. أي أن الكتاب المقدس هو كلام الله بلغة وثقافة وفكر البشر(فنحن إلى الآن نقول أشرقت الشمس، مع أن العلم أكد أن الشمس هي الثابتة والأرض هي المتحركة)، وفي ذلك تكمن عظمة الإعلان الإلهي الَّذي يحترم البشر فلا يُفرض عليهم فرضاً وإنمّا يقودهم نحو الحقيقة.
2.الكتاب المقدس هو كتاب دين،أي أن الهدف منه ليس هدفاً علمياً ولا فلسفياً ولا تاريخياً. لذلك فهو لا يحاول أن يشبع فضولنا في شرح الحقائق العلمية وفي كشف الأسرار المخفية. والمقصود بأنه كتاب دين هو أنه كُتب لكي يحدّثنا عن العلاقة بين الإنسان والله، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والكون…، وعن مصير الإنسان النهائي، فهدفه هو "لماذا" خُلقت الأشياء والإنسان والكون. أمّا العِلم فهو يبحث عن "كيف" خُلقت وكيف تكوّنت الأشياء والإنسان والكون، ومن ثَمَّ فلكل منهما مجاله الخاص فالعلم لا يستطيع أن يدعي وجود أو عدم وجود الله، لأن الله خارج مجاله، وكذلك الدين لا يستطيع أن يدعي بأننا لسنا في حاجة إلى العلم، لأن الإنسان في حاجة دائمة إلى معرفة: لماذا؟ وكيف؟، وإلا أضحت معرفته عرجاء ناقصة.
3.إن التفسير الحرفي للكتاب المقدس يتنافى مع روح الكتاب المقدس، ويحرمنا من الفهم ذاته يقول: "الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدّام عهد جديد لا الحرف بل الروح،العميق له، والكتاب لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي"(2كو 3 : 6). ولم يكن المسيح قاسياً ومُعَنْفاً بقدر ما كان مع الكتبة والفريسين الذين فسروا الكتاب تفسيراً حرفياً، فبدلاً من أن يعلنوا الرحمة والحق أعلنوا العقاب والدينونة…