11 - أشهى من الذهب الإبريز الكثير الثمن ، وأحلى من العسل وقطر الشهد:
تشتهي النفس كل ما هو نفيس: من الطعام أثمنه، ومن الملابس أفخرها، ومن المعادن أغلاها. والذهب مشتهى كل البشر منذ التاريخ. والشريعة بالنسبة للمؤمنين بالله هي أشهى من الشهد وأثمن على قلوبهم من الذهب وأي شيء آخر.
القسم الثالث: إعلان العهد: تفاعل بين وحي الله وحياة الإنسان البار اليومية (12-14):
نقرأ في القسم الثالث كيف يأخذ المؤمن على عاتقه العمل بحسب الشريعة ليرضى الله. فعبر الطاعة تتكوّن علاقة شخصيّة بين الله والإنسان، لكن المأساة تكمن في أن الله حاضر دائماً وأمين، بينما البشر ضعفاء وخاطئين؛ لهذا صارت العلاقة رجوعاً دائماً إلى الرب، وإقراراً بالخطيئة، وطلب مغفرة، ووعد بأن تكون حياة الإنسان وعواطفه متّجهة إلى الله.
12 - وأنا عبدك أستنير بها، لي في حفظها ثواب عظيم:
كانت الخطورة الكبرى في العصور الأولى أن يؤلّه الإنسان في ضعفه قوى الطبيعة التي لم يكن يجيد التحكم فيها؛ واليوم إذ يظن الإنسان أنه قادر على ذلك، فالخطر أن يؤلّه نفسه؛ أما داود فقد أدرك بوضوح قوة الله وحكمته من خلال تأمله المزدوج، في الطبيعة وفي كلمة الله، وأمام عظمتهما يقدّم الملك ذاته، كعبد، معترفاً بقوة سيده ومستنيراً بكلمته يحفظها في قلبه كثواب عظيم.
13 - الزلات من يشعر بها يا رب؟ من الخطايا المستترة نقني:
هكذا يخر الملك العبد معترفاً بضعفه ووهنه وزلاته الكثيرة أمام سيده، لكنه يعلن أن الخطر الذي يهدد حياة النفس مع الله ليس كامناً في تلك الزلات الصغيرة، فالبار يخطئ ويزل سبع مرات في اليوم ، لكن الخطر كامن فيما هو مستور من الخطايا أو التي لا يجرأ الشخص أن يجهر بها، وتُرتكب في الستر دون أن تُرى، إنه لا يطلب من الرب أن يحفظه من الزلل المرتبط بالطبيعة البشرية والحياة اليومية، بل أن يحفظه وينقيه من الخطايا المدبرة في السر التي تخشى النور لئلا تنكشف.
14 - امنع عبدك من الكبرياء لئلا تتسلط علىّ فأكون منزهاً عن كل عيب وأتنقى من معصية كبيرة:
ما يخاف منه النبي بالحقيقة ليس الزلل وهو لا يخشى أيضا الخطايا المستترة فقلبه مفتوح أمام الله وليس فيه سوء وضميره لا يعرف الشر والحقد والنميمة، لكنه يخاف كل الخوف من خطيئة أخرى كامنة عند الباب وهي أمّ الخطايا وأصل كل الشرور.
v الكبرياء:
إنهاسبب سقوط الإنسان الأول في الفردوس مما أعطى الشيطان الحجة ليهدم علاقته مع الله. لقد لعب إبليس منذ البدء على هذه النقطة "إذا أكلتما من ثمرة هذه الشجرة فستصيران آلهًة مثله" ( تكوين 1 :5) فأغرى الخليقة البائسة أن تقارن نفسها بالخالق العظيم، وتطمح بكبرياء ساذجة أن تكون مساوية له... لقد فهم النبي كل شيء وأجاد تلخيصه فكل الخطايا يمكن أن تُغفر للإنسان إلا الكبرياء التي تدفعه إلى التجديف على خالقه. أذكر في إحدى حواراتي مع احد الأساقفة عن صعوبات يقابلها مع الكهنة أنه أذهلني بقوله "كل خطيئة للكاهن يمكن أن تغتفر ويُشفى منها إلا الكبرياء" وعندما تساءلت كيف؟ " قال الكاهن ككل خاطئ بالتوبة والندامة يمكن أن يتغير، لكن الكبرياء لا علاج لها ولا شفاء منها..." والنبي يطلب من الرب أن ينقذه من الكبرياء كما من خطر رهيب، وأن يحفظه من السقوط في هذه التجربة وينجيه من هذه الآفة القاتلة، فهي حين تتسلط على شخص ما، لا يعود يرى سوى نفسه، ولا يعتقد إلا بذاته، ويصير كل شيء وكل شخص آخر نسبياً وهامشياً... وداود إذ يراجع صدق ضميره ويفحص سيرته، يخشى إذا قارن نفسه بمن حوله من الأثمة والخطاة، أن يسقط في الكبرياء... فإذا نجاه الله منها سيكون نقياً أمامه من كل المعاصي.