عرض مشاركة واحدة
قديم 22 - 03 - 2013, 06:25 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,313,620

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: المزمور التاسع عشر: رب الأكوان

ثالثا تفسير المزمور:
القسم الأول: إعلان الخليقةعظمة الله في الكون: الأفلاك تنشد مجده في حراّك صامت رائع النظَّام (1- 6):
1 - لكبير المغنيين مزمور لداود:
ربما كان داود يتأمل جمال السموات وقت السحر حين اُلهم بكتابة هذا المزمور، فهو تسبحة حمد لإله الكون "إلوهيم"، الذي يُظهر صدى كلمته السرية وبهاء لاهوته في السماء والأرض، فالفلك ينشد مجد الله لا بالكلام، بل بالتحرّك المنظَّم والعمل الصامت.
2- السماوات تنطق بمجد الله ، والفلك يخبر بعمل يديه
يقول إشعياء النبي: "ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه؛ من الذي يُخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء، لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يُفقد أحد" (إشعياء 40: 26).
يشخّص المرنّم السماء والأيام والليالي وكل الخليقة، ويدعوها لتشارك في الإنشاد لله. والسماوات هي مكان سكنى الله، موضع عرشه، وهي برغم روعتها في عظمتها بل وقدسيتها، حيث تشير إلى كل ما هو سام وعال ورفيع المقام ... إلا أن الله لم يعطها موهبة النطق فليس لها لسان لكي تنطق كالإنسان، معلنة مجد الله وجلاله.
يقول المرنّم إن السماوات والخليقة لا تتكلّم لغة البشر، لكنّ لها لغتها الخاصّة التي تمجّد الله بها، وما على الإنسان سوى أن يحلّ شفرة رموز هذه اللغة، وقد قام داود بهذه المهمة العظيمة فاستنطق السموات وجعلها تتكلم، وليس هذا بغريب على داود، الشاعر المرهف الحس الرقيق القلب، فهو من شدة حبه للرب الإله لا يكفيه أن ينطق بمجده وأن يلهج في ناموسه نهاراً وليلاً ، بل ينطلق بمخيلته للتأمل في أعماله، ويُشرك الكون بجميع خلائقه في ذلك. وأول هذه المخلوقات وأشملها وأسماها هي السموات أم كل الكواكب والنجوم والأفلاك، التي توحي بانتظام دورانها وتعدد كائناتها الذي يزيد ويقارع رمل البحار ودقة مساراتها،التي تثير اهتمام البشر وتعجبهم وانبهارهم منذ الخلق...بعظمة من صفّها وأقامها وكأنها دعوة دائمة للخشوع والتأمل.
حين يتأمل الإنسان السماوات وما فيها من نجوم وكواكب، لابد أن يكتشف أن هناك يداً قديرة تسيرّها وتحدد مساراتها وأفلاكها بقوانين عجيبة كالجاذبية والمغناطيسية و... إلى آخر ما اكتشفه العلم ولم يعرفه داود، والى ما سيكشفه العلم ولا نعرفه نحن أبناء القرن الحادي والعشرين، حقا إن التطلع إلى السماء والتأمل في الكواكب كان ومازال وسيظل أمراً يقود النفس البشرية إلى التسبيح في خشوع.
3 - فيعلنه النهار للنهار والليل يخبر به الليل:
عاش الإنسان دوماً يراقب الشمس والقمر والنجوم، تدور به الأيام والليالي وهو يحاول أن يعرف ويكتشف سر هذه الدورة العجيبة. عَبَدَ الفراعنة الشمسَ وتصورها تخرج مشرقة في موكب بديع بمركبة تجرها خيول ذهبية لتنير العالم وتطارد بأشعتها الذهبية فلول الظلام وتطردها. وودعوها بجلال مع كل غروب كرمز للنهاية التي تعقبها قيامة، حيث حفروا مقابرهم وينووا أهراماتهم، وهكذا عاشوا النهار والليل بطريقة تعكس روحانية أولية بديعة . كذا عبدت شعوب أخرى الشمس والكواكب ونظمت الطقوس وقدمت الذبائح.
طالما كان الليل والنهار موضع تأمل وتفكير، وطالما ارتبط النور والظلام بالحرب بين الخير والشر إلى يومنا هذا... لا غرو إذاً أن يتكلم النبي الشاعر الذي سبق وأعطى السماوات لساناً، على فم النهار والليل فيجعلهما ينطقان، فيضع على فم النهار خبراً يعلنه ورسالة يحملها، وعلى شفتي الليل بياناً ينقله وموضوعاً يخبر به الخلائق العاقلة... والخبر ينتقل هذه المرة بدون قول ولا كلام فهو أجلي من أن يحدّه قول وأعظم من أن يصاغ في كلمات، فكثيراً ما تقف الكلمات عاجزة والألسن صامتة والشفاه متحجرة أمام هذه العظمة، هكذا يخبرنا النهار بمجد الله وقدرته... فماذا عن الليل ونحن نعرف أنه يمثل الظلمة التي تعني غياب الله في الكتاب المقدس؟ بما يثير الهول والخوف وسيطرة الشر على الخير!...كلا إنه يقدم مفهوماً جديداً لليل، فحتى هذا الليل المظلم الرهيب، هو خليقة من صنع الله مجندة لتمجيده، وهذا المفهوم اللاهوتي المتطور يريد أن يعلن حقيقة رائعة، إن الله هو "الإله وحده" ولا مثيل أو شريك له، ليس هناك إله للخير وإله للشر، ليست هناك قوة تعادل أو تضارع قوة الله، فلا وجود للشر في حد ذاته انه مجرد "ليس":
v فالظلام: "ليس" إلا غياب النور، يغيب النور فتظلم الدنيا ومتى أشرق وانبثق يغيب الظلام كأنه لم يوجد، النور هو الفاعل الأوحد!
v والكذب: "ليس" إلا غياب الحق والصدق فلا كيان له في ذاته فمتى حضرت الحقيقة ذاب الكذب وتلاشى.
v والبغض: "ليس" إلا غياب الحب لا كيان له في ذاته، فمتى حل الحب اختفى الكره والحقد.
v والحرب: "ليست" إلا غياب السلام، فمتى حل السلام وساد، اختفت الحرب.
v والنجاسة: "ليست" إلا غياب الطهارة، فمتى تحققت الطهارة، اختفت النجاسة والدنس وتوارتا فيعود الكل نظيفاً طاهراً بلا دنس.
وهكذا فما لليل من سلطان وليست الظلمة بغريم معادل للنور، ليس هناك إله للنور وإله للظلام يتصارعان قي مباراة متكافئة الأطراف، إنما هناك إله واحد خالق للنور والظلام، والليل والنهار كلاهما، يتحدث عن مجده ويخضع أمام جبروته.
  رد مع اقتباس