وسننشغل في هذا الفصل بالتأمل في آلام المسيح التي احتملها من يد الإنسان، وهذه الآلام مذكورة في هذا المزمور من ع4-21 وقد تمت في دقة عجيبة بعد نحو ألف سنة في الرب يسوع عندما كان معلقاً فوق الصليب.
1 . الرب يسوع له كل المجد دودة لا إنسان !
تفتتح هذه الأعداد موضوع دراستنا الآن بهذه العبارة المذيبة التي سبق لنا التأمل فيها «أما أنا فدودة لا إنسان».
من هو الذي يقول هذا ؟ إنه مبدع الكون القدير. تأملي يا نفسي في هذا اللغز العجيب واخشعي!
وكلمة دودة نطقها بالعبري "تولع"، هو اسم أحد قضاة إسرائيل (قض10: 1)، ويعتبر رمزاً لقاضي إسرائيل الحقيقي لكن المرفوض (مي5: 1). ويستخدم هذا الاسم للتعبير عن ديدان صغيرة حمراء اللون، تجمع بهز الشجر الذي توجد فيه، وعندما تسحق تلك الديدان تتخضب تماماً بالدم القاني، مما يذكرنا برجل الأحزان الذي لأجلنا كان دامي الرأس والظهر واليدين والرجلين والجنب، وذلك من آثار الشوك والسياط والمسامير والحربة. أما سحق تلك الديدان فكان يعطي أفخر الصبغات الحمراء الزاهية، والتي يشار إليها في نبوة إشعياء باسم «الدودي»، أو «القرمز» (إش 1: 18). ولقد كانت هذه الصبغة مكلفة وغالية، وكان يصنع منها ثياب الملوك والأمراء. وهكذا سحق ربنا يسوع تبارك اسمه حتى نلبس نحن المجد والبهاء !
عندما مات شاول الملك، رثاه داود بالقول «يا بنات أورشليم ابكين شاول الذي ألبسكن قرمزاً بالتنعم» (2صم1: 24). لكن الواقع إنه ليس شاول هو الذي عزى بنات أورشليم (قارن 1 صم8: 13)، بل إن الذي كسانا بالعز حقاً هو المسيح.
لقد قبل الرب يسوع الذي تتعبد له الملائكة أن يتألم وأن يهان من أجلنا حتىما نرتدي نحن الحلة الأولى. قبل أن يسحق من أجل آثامنا. وهل هناك ثمة صعوبة في سحق دودة؟! أيحتاج ذلك إلى قوة أو جبروت؟ في الواقع ما أسهل أن تسحق دودة. وماذا تستطيع تلك الدودة أن تفعل سوى أن تتألم وأن تعاني ؟! والرب يسوع ارتضى أن يكون كذلك. ومع أن بيلاطس قال عنه في المحاكمة «هوذا الإنسان» ( يو 19 / 6)، لكنه الآن وهو معلق فوق عود الصليب يقول عن نفسه «أما أنا فدودة لا إنسان»!
لقد سبق أن رأينا كيف سحق الله المسيح وهو فوق الصليب، والسبب لذلك هو خطايانا. يقول الوحي «وهو مجروح من أجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا .. أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن» (إش53: 5،10). لكننا الآن سنرى كيف استخدم الشيطان البشر جميعهم في سحق رجل الأحزان ربنا يسوع المسيح، فتمت الكلمات التي كان الرب الإله قد قالها في الجنة للحية «أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه» (تك3: 15).
وعبارة أنت تسحقين عقِبه تعني أن الشيطان سحق ناسوت المسيح فقطوليس لاهوته. في هذا قال أحد اللاهوتيين "الله لم يمت، ولكن الذي مات هو الله". وهذا التعبير قد يبدو صعباً، لكن هذا ما حدث حقاً. فالله لا يموت، لأن له وحده عدم الموت، لكن هل الذي مات كان مجرد إنسان عادي؟ لو كان إنساناً عادياً لما استطاع أن يخلصنا. ومع ذلك يجب أن نميز بين اللاهوت والناسوت.. الله لم يمت، الناسوت هو الذي مات، فالشيطان لم يسحق رأس المسيح، لأن «رأسه ذهب إبريز»
(نش5: 11) – إشارة إلى لاهوته - بل ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك، إنما كل ما فعله الشيطان هو أنه سحق عقبه؛ أي ناسوته.
ونحن لا نهون مطلقاً من تلك الآلام. فعندما نتأمل المسيح يقول هنا «أما أنا فدودة لا إنسان»، مجرد دودة تحتقر من الناس، وبالأقدام تداس! يستهزئ به، يضرب بالقصبة على وجهه؛ من يصدق هذا الخبر، أن الخالق العظيم المجيد، الذي لا تستطيع الملائكة أن تنظر إليه، يهان مـن البشر!!