3 - تنعش نفسي، يهدني سبل الحق من أجل اسمه:
بعدما أشبع الرب جميع احتياجات رعاياه من البشر مادياً وجسدياً، نراه يرتقي بهم إلى درجات أعمق من الإشباع والفرح الداخلي... أولى هذه الدرجات هي انتعاش النفس والروح، وهي سمة تصاحب أو صاحبت جميع الأبرار والقديسين في كل لحظات حياتهم حتى في زمن الشدة والضيق والاضطهاد والاحتجاب، فالنفس البارة دوما منتعشة فهي تعرف أن الله راعيها وهو وإن تأخر أو تأنى أو احتجب بحيث لا يمكنها أن تراه من موقعها فهو أبداً لا يغيب أو يتخلى عنها ولا يغلق أذانه عن صراخها ولا تغفل عيناه عن متابعتها ولا ينأى قلبه عن مواكبة خطواتها...إذن تعرف النفس طريق العودة من عالم العنف والظلمة إلى عالم الراحة والبر تحت قيادة الرب وبقوته،
« يهدني سبل الحق :
الهداية هي معرفة الطريق الصواب وهي عكس الضلال، فالخروف الذي هداه الله إلى الطريق الصحيح سالم آمن هادي مستكين، على عكس الخروف القلق الضال دائما المبلبل الفكر الكثير الحركة المرتبك التصرفات المضطرب السلوك... والابن الذي يحفظ وصايا أبيه ولا يعصى له أمراً عكس الابن الضال ... وسبيل الحق .
« سبيل الحق :
هو طريق الرب وهو ناموسه وشريعته وهو التبعية له دون سواه والتمسك به رباً ومعلماً، قائداً هادياً... هو اختاره وحده دون الالتفات إلى أي شيء أو شخص آخر سواه .
« من أجل أسمه :
"لا لنا يا رب لا لنا بل لاسمك القدوس أعطِ مجداً" ، هذه هي فلسفة المرنم الذي يعرف كم هو قدوس أسم الرب وكم يغار الله على اسمه، واسم الله القدوس يختلف عن اسم أي إله آخر فلكل آلهة أسمها، يضعه البشر ليتعارفوا من خلاله عليه، أما الله فقد رفض عندما سأله موسى أن يعطي ذاته اسماً، ولما ألح موسى عليه قال له قل لهم أرسلني إليكم "الكائن" وهذا ليس اسماً بل صفة، بل هي جوهر، فهو صاحب الكيان الذي ينبع منه كل كيان، وهو مصدر ومنتهى جميع الكائنات، به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة نور للناس ... وكلمة "يهوه"، الاسم الذي يطلقه الكتاب على الله ليست اسماً بل معنىً أي "أنا أكون ما هو أنا"... وعندما حاول التقليد الكهنوتي في الكتاب المقدس أن يقدم أسماً أكثر قبولاً قدم اسم "إلوهيم" وهي جمع إله وبالتالي ليست اسماً بل هي صفة تعني إله الآلهة ورب الأرباب، وكان لاسم الله قدسيه، بحيث لا ينطق به اليهودي ولو في الصلاة ويستعيض عنه بألقاب مثل السيد "أدوناي" أو الرب أو الإله.
والنبي المرنم إذ يطلب من الله أن يهدي سبيله، يعرّف نفسه وشعبه بأنهم غنم مرعاه بل كابنه ومسيحه، وأن وجوده وشعبه مرتبط بالرب الراعي، هذا ما يعرفه المرنم والشعب ويريد أن يعلنه لجميع الأمم، لذا يخرج النبي بهذه البديهية المصيرية التي تربطه وشعبه بالرب إلههم، فكل ما يحدث لهم، يسيء إلى الراعي القدوس الذي لا يغفل ولا يترك الخراف تضيع، ويفتش عن الضال .