القسم الثالث: إرشاد ثان؛ بالاعتراف نصبح من جماعة الرب (12- 15):
إرشاد ثان يقدمه المرنّم، من يعترف بخطيئته ويتحرّر منها، يخرج عن طريق الشر ويسير في طريق الهدى مع إخوته في مسيرة نحو الله سعياً لتحقيق ملكوته في حياتهم على الأرض؛ بالتوبة صار المرنّم من جماعة خائفي الرب (مزامير 15: 4؛ 22: 24؛ 31: 20). وانفتح أمامه طريقُ السعادة والخير، فآمن ميراثه وميراث ذرّيته على الأرض، وسكن في كنف الرب قرب الهيكل ليعمق معرفته به ويتعلَّم شريعته وأحكامه، هكذا يخرج بنا النبي من مجرد الصلاة في توسل والشكوى لأمور شخصية، نحو تجاوب كياني مع نداء الله ليعلن بأن عينيه تلتفتان دوماً إلى الرب راجيةً عونه بحسب وعده.
12 - من خاف الرب أراه أي طريق يختار:
تحتاج عملية الهداية لا إلى توبة واعتراف فقط ، إنها تحتاج أيضاً إلى مخافة، فليس معنى الرحمة والرأفة الاستهتار والاستهانة "رأس الحكمة مخافة الرب"( سيراخ 1: 16)، رأس الحكمة مخافة الرب فطنة جيدة لكل عامليها تسبيحه قائم إلى الأبد (مزمور 111 : 10) وحين يرى الله هذه العناصر متوفرة "يهدي" مختاريه إلى طريق الحياة، تحتاج عملية الهداية كما رأينا إلى وعي وإقرار بإرادة كاملة من المهتدي بعدم الرجوع إلى الخطيئة؛ حينئذ يظهر له الرب ويريه الطريق... تاركاً له حرية الاختيار والسير فيه والتنعم بنعمه ومواهبه، ما أروعك يا الله... تحترمنا حتى في ضلالنا ...
13- فتنعم نفسه بالخيرات ونسله يرث الأرض:
ثمرة الاهتداء والاختيار الحر هما المزيد من التنعم بالخيرات الروحية والزمنية، ليس فقط على المدى المنظور خلال أيام الأرض، بل يمتد الخير إلى ما وراء الحياة الشخصية الجسدية، إلى النسل الذي سيرث الأرض كما وعد الرب إبراهيم، أن يصير شعباً وأن يكمل أبناءه طريق أبيهم "أبونا إبراهيم" ( يوحنا 8: 33) وهذا إشارة مبدئية لمعنى الحياة الأبدية الذي لم يكن قد تعمق عند الشعب بعد، فالبقاء لديهم كان يعني استمرار النسل... والثواب والعقاب كان في بركة هذا النسل أو النقمة عليه وإبادته كما رأينا في شرح ما سبق من مزامير ... "الرب يبيد نسل الأشرار" أما نسل الودعاء الأبرار فيرث الأرض ( مزمور 37 :26).
14- الرب يرشد أحباءه، ولهم يعلن عهده:
إذا استمسك المؤمن التائب بالطريق الذي هداه الله إليه، فلن يكتفي الله بالرضا عليه، بل سيزوده بكل ما يحتاج من توجيه وإرشاد ليحفظ نفسه في الطريق المستقيم (الشريعة) ومتى حفظ الإنسان شريعة الرب وسار حسب وصاياه يعلن الله لهؤلاء حقيقة جديدة "واقطع لهم عهدا أبديا إني لا ارجع عنهم لأحسن إليهم وأجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون عني" (ارميا 32: 40) والعهد هو نوع من الوعد القائم على قسم وبشهادة شهود... فحين أقسم الله بذاته لإبراهيم أقام معه عهداً وحين يقيم الله العلي عهداً فهو أمين لعهده وإن تخاذل البشر فمن صفات تلك الخليقة التغير والضعف والنسيان والإهمال والخيانة، أما صفات صاحب العهد فتختلف تماما فهو الأبدي الأزلي الحافظ العهد وطبعه الثبات والأمانة للمواثيق وعدم نسيان العهد لذا يقول الكتاب "وإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا و يطهرنا من كل إثم" (1يوحنا 1 : 9) .
15- عيناي إلى الرب كل حين ، فهو يخرج من الشرك رجلاي:
"يا بني أعطني قلبك ولتتبع عيناك طرقي" (أمثال 23 : 26) لقد قدم النبي للرب قلباً منسحقاً نادماً عن خطاياه وجهالات صباه، وأصغى إلى وصايا الرب وأحكامه، فثبت ناظريه وحدق بعينيه في ناموسه "جعلت الرب أمامي في كل حين فهو عن يميني فلا أتزعزع" (مزمور 16 :8) ذلك لأنه أدرك أن في ذلك سعادته وخلاصه. حين يسير المؤمن في طريق الرب وعيناه على مَن يسير أمامه يهديه كما المرشد في الصحاري والجبال، يتفادى كل المخاطر ويبتعد عن الفخاخ، بل أنه حتى إن سقط يعرف أن هناك راع صالح ومرشد أمين وقائد قادر أن يخلصه ويخرج قدميه من كل شرك ينصبه العدو بل ينقذه ويحمله على منكبيه.