القسم الثالث: طلب الخلاص والرحمة (9-12):
بعد أن قدم داود النبي البراهين على كماله، يُصلي بحرارة حتى لا يُدفع ويظل بعيداً عن جماعة شعب الله، موضع أمانته الله وحبه، فيُحسب كمجرم بين سافكي الدماء الذين تدنست أيديهم بالشر وامتلأت بالرشوة، وبالتالي يصلي ألا يكون مصيره معهم بسبب اختلافه عنهم في جميع السِمات والعادات والغايات والمقاصد والأهداف والطلبات والأشواق. فهو لا يحمل فكراً مشابهاً، ولا شعوراً مماثلاً، ولا يتحدث نفس اللغة، وليس له ذات السلوك، ولا يعيش بذات النمط، ولا يسير بنفس الطريقة.
9 - لا تمحني مع الخاطئين ولا مع سافكي الدماء :
انطلاقاً من كل ما سبق من فحص دقيق ومنظم للسلوكيات الأخلاقية والاجتماعية والممارسات الطقسية والتعبدية والالتزام الروحي العميق الذي يشمل الكيان كله حتى القلب والكلى أي داخلياً وخارجياً... يطلب المرنّم من الرب أن يجعل له مقاماً فريداً عنده مع الأبرار بعيداً عن الأشرار الذين لا يحب السكنى معهم ولا مخالطتهم ... إنه يفضل التعامل مع الله ومع الذين يسلكون أمامه و يحيون حياة أبناء الله، القديسين "أحببت السكنى مع قديسيك وكل شهوتي أن أكون منهم" ( المزمور 16: 2 ).
10 - والذين أعمالهم مذمومة ويمينهم امتلأت رشوة :
حيث أن له سلوكه الطاهر وقلبه الذي يردد أقوال الرب ويده النقية لا عن سفك الدماء فحسب بل ترفضن حتى أن تقبل الرشوة على البرئ وهي من أبشع الجرائم في نظر الله ، ولا تقل عن سفك الدم وقد رأينا أنها تستخدم في سبيل الباطل فالرشوة هي ما يمنح لمن لا يستحق في سبيل الحصول على ما لا يحق له الوصول إليه ، وكان الأشرار بل ورؤساء الكهنة وقادة الشعب يدسونها في أيدي المرتشين في سبيل شهادة زور كما فعلوا في محاكمة يسوع ...
11 - وأنا في النزاهة أسلك فافتقدني وتحنن علىّ :
في الوقت الذي فيه يعلن المرنّم اقتناعه ببراءته التي بلا شك هي ثمرة عمل الله في حياته، نجده يطلب رحمة الله التي لا تفارق عينيه. "لأن رحمتك أمام عينيّ هي، وقد أرضيتك بحقك"( مزمور)كأن داود النبي يقول للرب إنه لا تشغلني اتهامات الأعداء الباطلة والظالمة، إنما ما يشغلني أن تحميني وأنا طريد من الجو الوثني الذي اضطررت أن أعيش فيه بجسدي وليس بقلبي. لا تسمح أن أكون شريكاً للمنافقين والمجرمين والأثمة والمرتشين في حياتهم ولا في مصيرهم؛ حياتهم غير حياتي، وهدفهم غير هدفي. على النقيض منهم اسلك بدعة، أي أسير في طريقك بروح الوداعة والاتضاع، اتكئ على خلاصك وأترجى مراحمك... رجليّ لا تقدران على الوقوف إلا في طريقك بالاستقامة ، حتى تدخل بيّ إلى حياة التسبيح والفرح مع جماعة القديسين.
لم يكن أمام داود النبي، وقد وجه إليه خصومه اتهامات باطلة تمس إيمانه وحياته وتعثر شعبه فيه، إلا أن يستغيث أمام محكمة العدل الإلهي، حيث يقوم بالفصل في الأمور الله نفسه فاحص القلوب والعالم بكل الظروف الخفية والظاهرة، وها هو يقدم ضميره شاهداً على نقاوة قلبه وإخلاصه.يعرف أنه بحضرة الله الذي يدافع عنه تجاه عدالة البشر. لقد وضع ثقته فيه منذ القدم، ولكنه في هذه الساعة يتذكّر أن: " من يتوكّل على الرب ينجو نجاة وتكون له نفسه مغنماً" (ارميا 39: 18).وحيث أنه أمين لعهد الرب وواثق برحمته، فلذلك لا يخاف أن يمتحنه ذاك الذي يعرف ما في داخل الإنسان، الذي يفحص الكلى والقلوب (أرميا 11: 20). وإن أجبر على عبور النار، فسيكون كالذهب والفضّة اللذين يُنزع عنهما خبثهما عبر النار.
وحيث أني لا أطيق حتى التفكير في قبول ما يفعلون فأنا في النزاهة أسلك أي كل سلوكي وكلامي وحياتي في النور، نور وجودك ونور شريعتك، لذلك أعود فأطلب أن تفتقدني وأنت وحدك المفتقد، وأن تنصفني وأنت وحدك من يملك العدل والإنصاف، وأن تتحنن على فأنت وحدك الرحيم الحنان .
12- لتقف قدماي على أرض آمنة وفي المجامع أبارك الرب :
كثيراً ما يبحث الناس عن الحقيقة، ولكنهم يفشلون مراراً في بحثهم (تثية 21: 1)، أما الله فيعطي علامة على براءة المؤمن الملتجئ إليه. ويبدأ الاحتفال، فيغسل المؤمن يديه علامة طهارته، ويطوف حول المذبح منشداً للرب نشيد شكر، لأن الرب برّأ ساحته فأخذه إلى جانبه وأسكنه بيته، ولم يتركه يسكن مع الخطأة والقاتلين.
كل ما أطلبه منك يا سيدي ، ولا يستطيع غيرك أن يمنحه هو الأمان...عندك وحدك أجده وفي ظل جناحيك وحدك أطمأن...لا أحد غيرك يستطيع أن يبدد هواجسي ويزيل مخاوفي ويسكن من روعي...أنت صخرتي ... لتقف قدماي على أرضك الآمنة فأعيش السلام والأمان .
« وفي المجامع أبارك الرب :
عندئذ يصفو قلبي وقد شعر بالأمان في ظل حمايتك الأبوية وحراستك الدائمة التي لا تغفل وعينك الساهرة التي لا تنام ... فتصير حياتي كلها لك، أمجدك بها وأمام كل البشر وفي الطرق والمنازل والشوارع والكنائس والمجامع أباركك أيها الرب وأمجدك وأعلن أعمالك العظيمة في حياتي .