رابعاً: تطبيق المزمور:
o كيف عاش الرب يسوع هذا المزمور؟
يمكن أن ينطبق المزمور على مراحل حياة الرب:
فلعل الآيات الأخيرة التي تتردد بين الشعب والكهنة، لا تنطبق على أحد في تاريخ الخلاص: لا ملاك، ولا رئيس ملائكة ولا نبياً بل على المسيح وحده: ليس الآب الذي لا يرى ولا الروح الذي لا ينظر بل الابن المنظور عمانوئيل "الكلمة" المتجسد الذي رأيناه وسمعناه ولمسته أيدينا، الذي عاش بيننا وجاء إلى خاصته فلم يقبلوه، وبدلاً من أن يفتحوا الأبواب لقبول ملكهم صاحوا "ليس لنا ملك غير قيصر" وصلبوا يسوع الناصري ملك اليهود، ولو عرفوا أنهم حين رفعوه على صليب العار، رفعه الله للمجد وحطم بصموده أبواب الجحيم الأبدية وكسر شوكة الموت، فصار هو بالحق والحقيقة ملك المجد، الرب القدير، الذي له تجثو كل ركبة في السماء وفوق الأرض وما تحت الأرض. يمكن تطبيق كل ما يقوله هذا المزمور عن الله على يسوع المسيح:
- فيسوع المسيح هو الذي له المسكونة وما فيها، المخلوقات المنظورة والغير المنظورة: لأنه به كوّن كلّ شيء (كولوسي 1: 15). وهو ملك المجد (1 كورنثوس 2: 8)، وملك الملوك وربّ الأرباب (رؤيا 19: 16). جاء مرّة أولى بالجسد، وسيأتي ثانية بمجد عظيم ليدخل العالم، وسيكون العالم سعيداً باستقباله.
- صعود المسيح: يُعتبر سفر المزامير الموضع الكتابي الرئيسي الذي يحدّثنا عن الصعود، حيث يعبّر الصعود عن السرّ الفصحي في نظرة مسيانية.
فهو عيد دخول المسيح الملك إلى مجده كما تنشده طقوس المزامير الملكية بوضوح، بالأخص في ثلاثة مزامير (24، 68، 110). ونقرأ في يوستينوس: "انظروا كيف وجب أن يصعد إلى السماء حسب النبوءات. قيل: ارتفعن يا أبواب السماء لتنفتح وليدخل ملك المجد". "تزاحم الملائكة فيما بينهم لتتم كلمة الكتاب: افتحوا أبوابكم أيها الرؤساء". والرؤساء هم الملائكة حرّاس السماء حيث يُدخِل كلمةُ الله بصعوده، كل أبناء البشريّةَ التي اتّحد بها."ويفسّر ايريناوس المزمور في هذا المعنى: "إنه رُفع إلى السماء، فكما نزل الكلمة ولم تره الخلائق ولم تعرفه في نزوله، كذلك جُعل خفياً في تجسّده ورُفع إلى السماء. فحين رآه الملائكة الأدنون صرخوا للذين هم أعلى منهم: إفتحوا أبوابكم. إرتفعن أيتها الأبواب، لأن ملك المجد يدخل. وإذ قال ملائكة العلاء منذهلين: من هو هذا؟ من جديد هتف الذين رأوه: هو الربّ القويّ القدير، هو ملك المجد".
- كذلك تنطبق آيات المزمور على شخصه الأقدس فهو وحده:
o النقي اليدين: فطالما يداه امتدتا للشفاء الروحي والبدني ولطالما ارتفعا للصلاة والتسبيح الليل كله.
o الطاهر القلب: و هو وحده طاهر القلب الذي غفر للخطاة وحتى لصالبيه وهو بعد مثخناً بالجراح، مثقوب اليدين والقدمين معلقاً على الصليب، يرى ويسمع سخرية ظالميه.
o الذي لم يصنع الشر: وهو خلاف جميع الرسل والأنبياء قبله وبعده لا يستطيع أعداءه أن يمسكوا عليه خطيئة بل على العكس جال يصنع خيراً ويشفي كل سقيم.
o الذي لم يحلف أبداً: بل القائل قيل لكم لا تحلف، أما أنا فأقول لكم "ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا وما ذاد عن ذلك فمن الشيطان.
o لذلك فهو الوحيد الذي يحق له أن يصعد إلى المدينة المقدسة ويقف أمام الرب، وأن يصعد إلى أعلى مرتبة في "السماوات" جالساً عن يمين عرش العظمة آخذاً أعظم بركة وتكريم. وصائراً ديّاناً للعالم، ومخلصاً لكل من يلوذ به.
- إرفعي أيتها الأبواب...: إنه نشيد القيامة، نشيد الصعود، نشيد المجد، نشيد المحبة: وتقرأ هذه الآيات من المزمور في قراءات أحد الشعانين وأيضاً في طقوس ليلة عيد القيامة في الكنيسة القبطية وهي تعتبر نبؤة عن المسيح الذي دخل أبواب المدينة الدهرية فارتفعت مغاليق أبوابها التي طالما استعصيت على قوة الأعداء لكنها ارتفعت لتستقبل رب هذه المدينة، ملك المجد، نبؤة عن قيامة المسيح من بين الأموات حيث كسر شوكة الموت ونزل إلى الجحيم وخلص نفوس الأبرار الراقدين في الظلمة وظلال الموت.
وارتفاع أبواب أورشليم مدينة الله أمام ملك المجد رمز لهبوط أبواب الجحيم مدينة الشيطان وانهيارها أمام مجد قيامته فما أروع هذه الآيات العذبة لقد حطم رب المجد بقيامته المداخل الأبدية المغلقة وفتح الطريق أمام البشر ليدخلوا معه في موكبه المنتصر إلى حضرة الله، إلى أورشليم السمائية ...
- كذلك يحمل الحوار الرائع كشفاً عن شوق المتحدين مع المسيح الغالب نحو الصعود خلال الأبواب الدهرية، ودهشة السماء عينها أمام عمل رب المجد الخلاصي الذي وهب البشرية أموراً لا يُنطق بها!
§ فمن ذا الذي ُرفع على الصليب ورفعنا معه إلى الآب؟ إنه الرب يسوع
§ وأمام من تدحرجت صخرة القبر؟ فقط أمام قوة قيامته
§ ومن قهر الموت وقام منتصراً كاسراً شوكته؟ إنه الرب يسوع
§ ولمن انفتحت الأبواب الدهرية فنزل إلى الجحيم وسبى سبياًإنه الرب يسوع
§ ومن أرتفع إلى السماء وأخذته سحابة عن العيون؟إنه الرب يسوع
§ ومن سما في المجد وجلس عن يمين عرش العظمة في السماء؟إنه الرب يسوع
§ ولمن انفتحت أبواب أورشليم فدخل وديعاً متواضعاً؟ للرب يسوع
§ ولمن أعطيت مفاتيح أورشليم السمائية يفتح فلا يغلق أحد ويغلق فلا يفتح أحد؟ للرب يسوع
هو وحده ارتفع وتمجد، هو وحده الألف والياء، هو وحده البداية والنهاية، معه وحده المفاتيح يفتح فلا يغلق أحد ويغلق فلا يفتح أحد. ولم يفعل ذلك بحثا عن مجد أو فخار ولا سعيا لمكانة أو سلطان فهو وحده الكلي المجد والقوة والسلطان كما ترنم له كنيستنا القبطية طوال أيام البصخة بل اجتاز كل هذه الألأم ليمهد لنا الطريق ويفتح لنا تلك الأبواب الدهرية التي طالما ظلت مغلقة في طريق وحدتنا مع الله، تلك التي تشتاق إليها نفوسنا كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه.