المسبيّون:
في بابل عاش اليهود في مستوطناتٍ أُقيمت لهم في العاصمة وسواها من المدن. وقد مُنحوا حرية بناء البيوت وتحصيل الرزق والمحافظة على عوائدهم وديانتهم. لم يُسمَح لهم أن يعودوا إلى أرضهم، لكنهم عوملوا بالحُسنى. فحل الملك يهوياكين وأُسرته "ضيوفاً" في حاشية الملك. وشغل اليهود، كدانيال، مناصب عُليا في خدمة الحكومة. وكان بين الصُناع الذين استخدمهم نبوخذنصر بعض الحرفيين المَهرة من اليهود، وقد استراح كثيرون منهم في بابل حتى إنهم لم يريدوا العودة لما سنحت الفرصة لترميم المدينة. إلا أن بعضهم كانوا يحنون دائماً إلى يهوذا وتمسكوا، وهم في السبي، بدينهم ونمط حياتهم.
منذ أن بنى سليمان الهيكل وهو مركز الإيمان والعبادة عند اليهود. أما الآن، وقد ذهب، فلا مكان تُقدَّم فيها الذبائح الشرعية. لذا بدأ الشعب يشددون خصوصاً على ما يستطيعون حفظه من أُمور دينهم. فصار حفظ السبت، يوم الراحة، مهماً جداً عندهم. وكذلك أيضاً الختان، وهو علامة عهد الله معهم، والشرائع المختصة بما هو طاهر وما هو نجس. وأخذوا يقدّرون- كما لم يسبق لهم أن فعلوا قطّ- ما بين أيديهم من كلمة الله المكتوبة. وعكف بعض الكهنة، كعزرا مثلاً، على دراسة شريعة الله بكل تفاصيلها (دُعي هؤلاء "كتَبة"). حتى إن الجزء الأكبر مِما يؤلف العهد القديم عندنا أُعطي شكله الحالي خلال زمن السبي.