الصربات:
بتوجيهٍ من الله، كان موسى ينذر فرعون بكل ضربة آتية، وإذا بها تحدث في الوقت المحدد. وبعض الضربات توقفت بصلاة موسى. ومرةً بعد مرة نجا منها العبرانيون المقيمون في منطقة الدلتا. فلما نفقت مواشي المصريين بالوبأ، لم يفقد العبرانيون شيئاً من مواشيهم. ولما أهلك البرد الغِلال والقطعان على السواء، لم يتأثر العبيد العبرانيون بشيء، وكذلك أيضاً لما حل الظلام ثلاثة أيام متواصلة.
وفي تلك الضربات أيضاً رأى المصريون هزيمة آلهتهم. فلما تولى العمل إله العبرانيين، ما كان من إله النيل مثلاً إلا أن جلب الخراب، مع أنه كان يتوقع منه أن يُخصِب الأرض. حتى إن رع- إله الشمس الجبار- غُلِب على أمره بالظلمة المعجزية. ولم يستطع سحرة الملك أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك . وقد حدثت تسع ضربات ثم انحسرت: تلوث نهر النيل، ثم جاءت الضفادع والبعوض والذبّان، وماتت البهائم، وأصيب الناس بالدمامل، ثم نزل البرد وأعقبه الجراد، ثم حل الظلام الدامس.
ولكن الضربة العاشرة هي التي أتت العبرانيين الحرية، وكانت ضربة مختلفة عن سوابقها. فقد أعلن موسى أنه "نحو نصف الليل.. يموت كل بكر في أرض مصر". أما أبكار العبرانيين فينجون إذا عمل الشعب بما أوصاهم به موسى. فقد كان عليهم أن يضعوا على قوائم أبوابهم علامةً من دم حملٍ يذبحونه. وكان عليهم أن يشووا الحمل (وفقاً للوصية أيضاً) ويأكلوه تلك الليلة مع أعشاب مرة وخبزٍ بلا خمير. وعليهم أن يحزموا أمتعتهم ويلبسوا ثيابهم استعداداً للرحيل. وحدث كل شيءٍ كما قال الله.
بعد ذلك أخذ بنو إسرائيل يحتفلون كل سنة بذكرى هذه الحادثة في ما سُمي بعيد الفصح (أي "العبور")، لأنه في أعقاب ذلك (بعد "عبور" الموت عن أُسرهم) أطلقهم فرعون.
وبالفعل، ففي نصف الليل مات كلُّ بكرٍ للمصريين. وقبل الصباح أمر الملك بإطلاق العبرانيين إلى خارج بلاده. وهكذا بدأ العبرانيون الرحيل، وهم مُحملون هدايا من ذهب وفضة ومن كل ما طلبوه من جيرانهم. إلا أن معاناتهم لم تنته حالاً. فإذ بدأ ارتحال الشعب جميعاً نحو الشرق، ومعهم أمتعتهم ومواشيهم، جمع فرعون مركباته وهبَّ لإرجاعهم. ورأى العبيد الهاربين مخيمين عند البحر، في مكان يُعرف باسم "بحر القصب". وربما كان جزءًا من بحيرة المنزلة قرب القنطرة الحديثة على قناة السويس. وهكذا علق العبرانيون بين البحر الذي سد أمامهم سبيل النجاة والعدو المسلح اللاحق بهم بسرعة.
ومرة أخرى تدخَّل الله، ففتح أمامهم ممراً عبر البحر. ولما حاول المصريون تعقبهم، ارتدت المياه وأغرقتهم، بعدما كان العبرانيون قد وصلوا إلى الشط الآخر سالمين.
خروج 5- 15