ما أظهره الاستكشاف:
شاع في الشرق الأوسط استعمال الطين في البناء منذ القديم. والجدران المصنوعة من اللبن أو الطوب المجفف تحت الشمس، تدوم ثلاثين سنة أو نحوها إذا كانت تُملط دورياً لمنع الرطوبة. وكان اللبن المشوي في الأتون يكلف كثيراً من الأزمنة القديمة، ولذلك لم يستعمل إلا في المباني المهمة. أما الأساسات فكانت تُبنى بالحجارة حيث توافرت، فيما كانت البيوت كلها تُبنى بالحجارة في المناطق الصخرية. وكانت السقوف تُصنع عادةً من العوارض الخشبية وتُكسى بطبقة من القش والتراب.
كان من السهل أن تتصدّع تلك المباني وتنهار من جراء الإهمال أو تقادُم الزمن أو النيران أو الزلازل أو هجمات الأعداء. وعندما تتهدّم، يستعمل الناس أفضل القطع التي يجدونها بين الأنقاض، ويتركون معظمها حيث سقطت وتراكمت. وعلى مرّ الزمن بُنيت بيوت جديدة فوق أنقاض القديمة. وترتب على هذا ارتفاعُ مستوى الشوارع، وعلى مرّ العصور ارتفع مستوى مدنٍ بكاملها تدريجياً. ويمكننا رؤية نتائج هذه العملية في جميع أنحاء الشرق الأوسط في تَلال الخرَب.
ولمّا كانت بعض المدن تُحيط بحصنٍ يضمُّ قصوراً وهياكل محصنة، فقد ينتج من ذلك وجود منطقة شاسعة تغطيها التلال المنخفضة وفي وسطها تلة ضخمة هي خِرب الحصن. وربما كانت المدينة تلاًّ واحداً كبيراً. وقد يبلغ ارتفاع التلّ ما بين 30و 40 مً وطوله 500م.
تقع البقايا الأحدثُ عهداً على قمة التلّ، وربّما لا تكون هي خِرَب المباني الأخيرة التي قامت هناك، لأن رياح الشتاء والأمطار تجرف اللَّبِن الطيني بعد أن يصير الموقع غير مأهول. وعلى المستوى الأكثر انخفاضاً، فوق التربة الأصليَّة، توجد آثارُ من المدينة الأولى. ولِهَجْر السكان للمدن القديمة أسبابٌ عديدة. فربما كانت المدينة قد قامت حول نبعٍ أو بئر، أو عند مخاضة نهر أو تقاطع طرق. فإذا جفّ النبع أو تحوّلت الطرق، تُهجَر المدينة. وربما عملت تحوَّلاتٌ أو أحداث سياسيَّة على حِرمانِ مكان نفوذه وازدهاره. أو قد يكون التلُّ أصبح أعلى من أن يسكن الناس فوقه على نحوٍ ملائم.
على أن مدناً مثل أورشليم ودمشق لم تفقد أهميتهما قط، ولا يمكن استكشاف آثارها إلا إذا أُزيلت مبانٍ كثيرة أو تُركت مساحات كبيرة خربةً وخاليةً.