في القرن العشرين:
شهد علم الآثار في الشرق الأوسط قفزةً كبرى إلى الأمام في 1890، عندما شرع فِلِنْدَرْز باتري في الاستكشاف عند تلّ الحِسِي قرب غزّة في جنوب فلسطين. فقد تبين له أن الأشياء التي وجدها على علوٍّ معيّن عن سطح البحر، في موقعٍ من المواقع، تختلف عمّا وجده على علوٍ آخر.
وقد صحَّ ذلك بصورة واضحة كلياً في ما يتعلق بأواني الفخار المكسرة، فعُني بتجميع القِطع وفقاً لمستويات علوها عن سطح البحر، وتوصل إلى تشكيل مجموعة من النماذج الفخارية مرتبة وفقاً لتعاقبها الزمني، ومن ثم حدد تاريخ كل نموذج، بمقارنة النماذج بأوانٍ مصرية عثر عليها في المواقع عينها، (أما تاريخ الأواني المصرية فمعروف من اكتشاف قطع مماثلة لها في مصر، حيث حدّدت النقوش نسبتها إلى عهود ملوكٍ مخصوصين).
منذئذٍ صارت ملاحظات باتري سنداً أساسياً في كل تنقيب عن الآثار. وقد مرت عدة عقود فات من فيها منقبين آخرين ممن عملوا في فلسطين أن يُدركوا أهمية ملاحظات باتري، ولهذا السبب ثبت خِطأُ الكثير من استنتاجاتهم الخاصة. غير أن الفكرة الأساسية في اعتماد النماذج الفخارية دليلاً لتأريخ سواها من الأشياء هي الآن فكرةٌ مقبولة عند جميع علماء الآثار، وإن كانت بالطبع قد حصلت تطوّرات أُخرى مهمة منذ ذلك الحين.
ولمّا تزايد الاهتمام بالموضوع، أخذت المتاحف والجامعات تهتم باستكشاف المواقع الأثرية في فلسطين. على أن مستوى التنقيب غالباً ما كان وضيعاً، ويا للأسف! حتى طوَّر رايزْنَر وفيشَر ، خلال استكشافهما في السامرة بين 1908و 1911، أساليب تقنية أفضل لدراسة المكتشفات وتصنيفها. ثم أن الأمريكي ألبريط، عملاً بما توصل إليه باتري، أرسى النظام الأساسي لتحديد تاريخ الفخاريات الفلسطينية (في تل بيت مِرصيم من 1926 إلى 1936).
وقد خطا علم الآثار عند الإنكليز خطوةً متقدِّمة باستحداث "علم طبقات الأرض"، ويُعنى بدراسة تحليلية دقيقة للتربة داخل الآثار القديمة وتحتها. وأول من طبق هذا الأسلوب الدراسي على حفرية في فلسطين، كان كاثلين كِنيُون أثناء عملها في السامرة (1931- 1935). ومنذ 1952 استخدمت هذا الأسلوب بنجاحٍ مميز في المواقع الصعبة بأريحا وأورشليم. وما زال هذا الأسلوب في الاستكشاف فريداً بنوعه، وإن كان يفرض مطالب أكثر على المستكشف في أثناء الحفر وعند تفسير المستكشفات في ما بعد.