ويبدو أن بولس قصد ـ فى بداية رحلته الثانية ـ أن يمد دائرة خدمته إلى المقاطعة الرومانية المزدهرة فى غربي أسيا الصغرى، فبعد أن شدد الكنائس التي تأسست فى أثناء رحلته الأولى، رأى أن يواصل السير غرباً، لكن بطريقة ما، منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة فى أسيا ( أع 16 : 6 )، ففكر فى الذهاب إلى المدن الرومانية الكبيرة على ساحل البحر الأسود فى مقاطعة بيثينية، فلم يدعهم الروح أيضاً( أع 16 : 7 )، فلم يعرفوا إلى أين يذهبون، ولانهم كانوا يعلمون تماماًأن الله قد دعاهم لمواصلة الكرازة للأمم، انحدروا إلى ترواس الواقعة على ساحل بحر ايجة. وفى ترواس ظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مكدوني يطلب إليه ويقول : اعبر إلى مكدونية وأعنا ( أ ع 16: 8و 9 )، وقد قبلا هذا توجيهاًمن الله، ورأوا الاحتمالات الكبيرة للكرازة بالإِنجيل فى المدن الواقعة إلى الغرب من بحر إيجه ( 16 : 10 ). وعند هذه النقطة يتحول ضمير الغائب في القصة إلي ضمير المتكلم ، مما اعتبر دليلاًعلى انضمام لوقا للفريق الكرازي، والذي قد يتضمن أيضاًأن الرب استخدم لوقا ـ بطريقة ما ـ فى الرؤيا المكدونية نفسها.
جـ - التقدم إلى أوروبا : بدأ الفريق خدمته في فيلبي أهم مدن المقاطعة، وكانت كولونية أي مستوطنة رومانية ( أ ع 16 : 11و12 ). ويبدو أنها لم تكن بها جالية يهودية كبيرة، إذ كان على بولس أن يبحث عن المتعبدين لله في يوم السبت، ولم يجد سوى بضع نساء عند نهر. وكان القانون اليهودي ينص على أنه متى وجد عشرة رجال من أرباب البيوتات، فيجب بناء مجمع هناك لدراسة الشريعة، وإذا لم يتيسر ذلك فيجب عقد اجتماعات للعبادة فى الهواء الطلق وبخاصة بجانب النهر. وهنا فتح الله قلب ليديه بباعة الأرجوان للإِنجيل. وبعد أن اعتمدت هي وأهل بيتها، دعتهم إلى بيتها ليتخذوا منه مقراًلهم ( أع 16 : 13 ـ 15 ). ومن هذه البداية الصغيرة، ازدهرت كنيسة فيلبي، التي وجد بولس في أعضائها ما أرضى قلبه فكانت أخف الكنائس عبئاًعليه.