عرض مشاركة واحدة
قديم 25 - 01 - 2013, 09:26 AM   رقم المشاركة : ( 3 )
كيلارا Female
..::| مشرفة |::..


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1049
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 10,034

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

كيلارا غير متواجد حالياً

افتراضي رد: بحث متكمل عن بولس رسول الأمم

وإذا تأملنا موقف كنيسة أورشليم في 49م، فلا بد أن ندرك أن القرار الذي وصل إليه المسيحيون في أورشليم، كان قراراًمن أجرأ القرارات وأكثرها سماحة فى تاريخ الكنيسة. فبينما كانوا يبذلون الجهد فى الكرازة للأمة، أبوا أن يعترضوا تقدم الجانب الآخر من الكرازة المسيحية الذي كان نجاحة سيسبب لهم ـ ولابد ـ اضطهاداًأكثر، فكان كل ما طلبوه هو أنه فى وجه مخاوف اليهود وحساسياتهم، يجب أن يمتنع المؤمنون من الأمم عن بعض الممارسات التي كان التقليد اليهودي يعلم أنها من الرذائل الشنيعة فى العبادات الوثنية. ولا شك فى أن بولس كان سعيداًبهذا القرار لأنه صدر عن اعتبارات عملية للعلاقات اليهودية المسيحية دون أن يعتبر أساساًللبر.

وكان للقرار الذى صدر عن مجمع أورشليم، أثاره البعيدة المدى، فأول كل شيء، لقد حرر الإِنجيل من الوقوع فى حبائل اليهودية ومؤسساتها، بدون استنكار شرعية مواصلة الشهادة المسيحية فى داخل تلك الحدود. وهكذا أصبح الطريق مفتوحاًأمام مواصلة الكرازة المسيحية بين الأمم وبين اليهود جنباًإلى جنب في خلال العقد التالي بدون أي صراع جوهري.

ثم إن الغيوم التي كانت بموقف بولس في نظر كنيسة أورشليم، قد انجلت، ولو أنه من المحتمل أن عداوة البعض لبولس قد إشتدت، ولكن السواد الأعظم من الجماعة المسيحية في أورشليم، أصبح موقفهم منه إيجابياً، كما يبدو من موقف يوحنا مرقس ( وسيأتى الكلام عنه فيما بعد ). ولقد شعر البعض ـ فى الكرازة للأمم ـ بسعادة أكثر مما كانوا فى أورشليم، للسماحة التي أبداها المجمع، كما فى حالة سيلا ( أع 15 : 27 و 32 و34و40 ).

ثم إن القرار الذي صدر عن مجمع أورشليم أثار عداءاليهود الدائم، فمنذ ذلك الوقت، واجهت الكرازة بالإِنجيل بين الأمة اليهودية ـ وبخاصة بين اليهود فى أورشليم وما حولها ـ مقأومة عنيفة. ويقول الرسول بولس فى رسالته إلى الكنيسة فى رومية ( وكانت فى غالبيتها من الأمم ) عن الأمة اليهودية، إنهم من جهة الإِنجيل هم أعداء من أجلكم ( رو 11 : 28 ).

:

كثيراًما ينظر إلى رحلة بولس التبشيرية الأولى كمجرد حادثة عارضة، ذكرها لوقا لينتقل بها من الأحوال فى أورشليم تحت حكم هيرودس أغربياس الأول ( أع 12 ) إلى مجمع أورشليم ( أع 15 )، ولكن النظر إلى هذه الفترة من حياة بولس على أنها فترة قليلة الأهمية، إنما يتجاهل التقدم الهام الذي حدث فى الكرازة بالإِنجيل، ويهدم الأساس المنطقي للأحداث التي أعقبت ذلك.

أ- خط سير الرحلة : بينما كان بولس وبرنابا يخدمان فى أنطاكية سورية، أمر الروح القدس أن يتركا خدمتهما فى الكنيسة هناك، وأن ينطلقا إلى مجال أوسع ( أ ع 13 : 2، 3 ). ولا يذكر الكتاب كيف أصدر الروح القدس هذا الأمر، ولو أن هناك بعض التلميحات التي تدل على أن ذلك تم من خلال ثلاثة عوامل :

1- اقتناع عند الرسل أنفسهم لأنهم كانوا صائمين فى ذلك الوقت الذي وصلهم فيه هذا الأمر الواضح.

2- إعلان نبوي على فم أحد أعضاء الكنيسة شبيه مثلاًبما قاله أغابوس من قبل.

3-اقتناع جماعة المؤمنين أن هذه مشيئة الله بعد أن صاموا وصلوا. وليس من السهل تحديد من يعود عليهم ضمير الفاعل في صاموا وصلوا فى العدد الثالث، فقد بعود على الأنبياء والمعلمين المذكورين فى العدد الأول، وفى هذه الحالة يكون القادة الثلاثة الآخرون فى كنيسة أنطاكية، هم الذين ـ بعد أن صاموا وصلوا ـ وضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما. ولكن قياساًعلى ما جاء في سفر الأعمال حيث نجد صيغة مشابهة لاستخدام ضمير الفاعل في رتبوا ( 15 : 2 ) دون تحديد من يعود عليهم الضمير، ولكن يتضح من العدد الثالث أنه يعود على الكنيسة. وعليه فالأرجح أن كل جماعة المؤمنين إشتركت فى تنفيذ الأمر ووضع الأيادى عليهما واطلاقهما. ويقطع العدد الرابع من الأصحاح الثالث عشر بأنهما أرسلا من الروح القدس . وقد أخذ معهما الشاب يوحنا مرقس من أورشليم ( أ ع 12 : 12 ) وابن عم برنابا ( كو 4 : 10 ـ انظر ابن الأخت ).

فانحدر الثلاثة من أنطاكية إلى مينائها في سلوكية، وسافروا فى البحر إلى قبرس، موطن برنابا ـ ومن سلاميس شرقاًإلى بافوس غرباً، كرزوا بالإِنجيل في كل الجزيرة، في مجامع اليهود فحسب ( أع 13 : 5 )، ولكن في بافوس، دعاهما الوالي سرجيوس بولس والتمس أن يسمع كلمة الله منهما، ولعله كان يهدف إلى معرفة طبيعة كرازتهم لئلا يكون فيها ما يثير الاضطراب فى المجتمع اليهودي في الجزيرة وبالرغم من مقأومة باريشوع الساحر، آمن سرجيوس بولس بعد أن رأي ما جرى لعليم الساحر بناء على لعنة الرسول بولس لهذا الساحر ابن إبليس ( أع 13 : 6 ـ 12 ). وكان هذا أمراًبعيد الاحتمال، إذ يبدو أن الوالي الروماني، لم تكن له علاقة بالديانة اليهودية ومؤسساتها. وهنا نشا موقف لا يختلف في نظر الرسل، عن الموقف الذي حدث عقب تجديد قائد المئة كرنيليوس(أع10:1-11: 18 ),بل إنه ليتجاوز موضوع كرنيليوس في بعض النواحي. ومع أن الكينسة في أورشليم-كما يبدو-لم تحمل تجديدكرنيليوس على أنه يعتبر سابقة تحتذي فى خدمتها، لأن خدمتها كانت لإسرائيل، فإن بولس ـ الذى كانت خدمته أساسا موجهة للأمم ـ رأي فيما حدث في بافوس شيئا أبعد فىإرساليته للأمم. ومن هذه النقطة، نجد سفر الأعمال يستخدم اسمه الروماني بولس وليس اسمه اليهودي شأول ( أع 13 : 9 )، إذ أصبح مستعداًـ من هذه النقطة ـ أن يتقابل مع أي أممي في الأمبراطورية، دون التقيد بالخدمة في المجمع. ولايذكر إسم شاول بعد ذلك إلا في مناسبتين لهما دواعيهما الخاصة ( اع 14 : 12، 15 : 12 ). كما بدأ اسم بولس يسبق اسم برنابا.

ثم أقلع بولس ومن معه من قبرس إلى برجة بمفيلية فى أسيا الصغرى (أع 13 : 13 ). ولايذكر الكاتب شيئاًعن كرازتهم في برجة فى تلك المرة. وأن كان بولس وبرنابا ـ عند عودتهما إليها ـ قد تكلما بالكلمة ( أع 14 : 25 ). ولعل السبب في مرورهما الخاطف ببرجة فى ذلك الوقت، وانتقالهما إلى أنطاكية بيسيدية، هو مرض بولس بالملاريا ـ كما هو المرجح ـ مما اضطره إلى الالتجاء إلى المنطقة المرتفعة في الشمال.

وفى برجة تركهما يوحنا مرقس ورجع إلى أورشليم، ربما خشية ردود الفعل عند الكنيسة أورشليم إذا علمت بكرازتهم بالإِنجيل للأمم مباشرة، ولم يشأ أن يزج بنفسه في مثل هذا المازق، بينما رأى بولس فيما حدث في بافوس تحقيقاًلإِرساليته. أما تفسير مفارقة مرقس لهما على أساس حنينه إلى وطنه، أو لمتاعب الترحال، أو للتغيير الذي حدث فى قيادة المجموعة، أو لمرض بولس الذي استدعى تغيير البرنامج، فهذه كلها ليست سوى افتراضات لا تكفي لتبرير موقف بولس، هذا الموقف العنيد، من مرقس كما سجلة سفر الأعمال ( 15 : 37 ـ 39 )، وهو ما يدل على أن مفارقة مرقس لهما كانت لسبب أهم من مجرد هذه الأسباب الشخصية.
  رد مع اقتباس