عرض مشاركة واحدة
قديم 25 - 01 - 2013, 09:11 AM   رقم المشاركة : ( 10 )
كيلارا Female
..::| مشرفة |::..


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1049
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 10,034

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

كيلارا غير متواجد حالياً

افتراضي رد: بحث متكمل عن بولس رسول الأمم



ثانيا :- تجديده :

لقد تغير مسار حياة هذا المضطهد عندما اقترب من دمشق. ويذكر سفر الاعمال ثلاث روايات عن تجديده. وقد حاول النقد العدائي ان يضخم بعض التناقضات الظاهرية بين هذه الروايات الثلاث، الا ان هناك اجماع بين العلماء على صحة هذه الرويات الثلاث، فجميعها تذكر النور، والصوت الذي يقول : شاول، شاول، لماذا تضطهدنى ؟ ، واجابته : من انت ياسيد؟ ، وبواب المسيح:أنايسوع الذي أنت تضطهده . واذ غشيت عينا شاول من بهاء ذلك النور وارتعد من رؤية يسوع مقاما وممجدا، قال : يارب ماذا تريد ان افعل . وكان خضوعه ليسوع كسيد ورب خضوعا فوريا وكاملا. فاقتادوه عاجزا مسكينا إلي دمشق، ووجد فى بيت يهوذا ملاذا وكان ثلاثة ايام لا يبصر، فلم ياكل ولم يشرب . وكل ما نعرفه عما حدث خلال تلك الايام الثلاثه هو قول الرب لحنانيا : لانه هوذا يصلي .

ولايحتاج الامر إلي بذل الكثير من الجهد فى التخيل، لادراك انه خاض صراعا عنيفا من التبكيت على الخطية ، كما يحدث كثيرا عند تجديد النفوس العظيمة. لقد عرف بولس الرب المقام معرفة شخصية، واكتشف انه كان يضطهده في اشخاص المؤمنين به. فتغيرت مفاهيمه تغيرا جذريا. وفى تلك الفترة من التبكيت العميق مر في اختبار يبدو انه هو الذي يصفه جزئيا فى الاصحاح السابع من رسالته إلي رومية ( 7 ـ 25 ). وقد علمه هذا الاختبار الحقائق الاساسية في فكره اللاهوتي.

لقد ولد فكره اللاهوتي، واكتمل في اختبار تجديده، وبدلا من ان يصبح شيئا متميزا ومستقلا عن ديانته، صار هو جوهر الديانة، وأصبح بالنسبة له عقيدة وحياة.

لقد بذلت محاولات مختلفه لانكار حقيقة التجديد المعجزي الذي حدث لبولس. فقد عرى إلي عاصفة رعدية عنيفة، بينما كان يشعر بغصة الالم والندم على مقتل استفانوس فخيل اليه انه راى الرب فى النور الباهر الذي اعمى عينيه، كما خيل اليه انه سمع صوته في الرعد. وعزاه البعض الاخر إلي ضربة شمس اصابت بولس فافقدته الوعي. فاصبح ضحية الهلوسة التى خيل اليه فيها ان يسوع ظهر له. كما زعم البعض الاخر ايضا ان الامر كله كان وهما، وان بولس راى يسوع فى غيبة او غفوة نعاس.

وهذه التفسيرات العقلانية وما شابهها تواجه صعوبة مزدوجة، اولا انها لاتجد في سفر الاعمال او رسائل بولس ما يبررها، وثانيا انها مثل باقي محاولات تفسير الاحداث الخارقة للطبيعة باسباب طبيعية، فتبالغ فى تصوير سذاجة الانسان واستعداده للتصديق بامور غير حقيقية.

قد انتهت فترة عدم ابصار بولس وحيرته عندما جاءه حنانيا ووضع يديه عليه، فاستعاد بصره، كما انه انتقل من الظلام الروحي إلي النور الروحي، وامتلا من الروح القدس، وعرف الرسالة التي عليه القيام بها، واعتمد واصبح عضوا فى كنيسة المسيح. ( أع 9 : 10 ـ 19، 22 : 12 ـ 16 ).

ثالثا : تعليمه :-

1- المسيح : في الحال جعل بولس يكرز فى مجامع اليهود بالمسيح ان هذا هو ابن الله ( أ ع 9 : 20 ـ انظر : مت 16 : 16 و 17، يو 6 : 69، 1 يو 4 : 15 )، ويحير اليهود الساكنين فى دمشق محققا ان هذا هو المسيح ( أع 9 : 22 ـ انظر : لو 24 ). ان معرفة بولس العميقة بنصوص العهد القديم، التى اكتسبها من خلال تلمذه على غمالائيل والتي استنارت الان بالروح القدس، قد جعلت منه خصما مرهوبا في المناقشة. وكما حدث مع استفانوس، اثار بولس بحجته غضب اليهود، الا ان بولس نجا بحياته ليواصل عمل استفانوس ويوسع تعليمه.

وليس من الاهمية بمكان ان نحدد متى اقام بولس فى الجزيرة العربية، وهل كان ذلك قبل اول او بعد كرازته فى دمشق.

اما الامر ذو الاهمية القصوى فهو انه في كرازته بان يسوع هو ابن الله، قد ارتفع في شهادته إلي ابعاد اعمق واسمى من كل ماشهد به الرسل من قبل. فحقيقة ان يسوع هو ابن الله هي حقيقة شاملة يستتبعها حقيقة ان للمسيح كل الصفات الالهية، وانه يجب ان يعبد ويطاع باعتباره الله. ومن هذه الحقيقة الاساسية نرى الفكر اللاهوتي العميق والشامل لبولس عن المسيح الذي يبلغ ذروته في العبارات الرائعة التي سجلها فى الرسائل التي كتبها وهو فى السجن ( في 2 : 5 ـ 11 مع : يو 5 : 17 ـ 18، كو 1 : 15 ـ 23 ـ مع : يو 1، أف 1 : 20 ـ 23 ).

وفى الحقيقة فانه منذ لحظة تجديده لم تساور بولس مطلقا أي شكوك من جهة الوهية المسيح، ومع ذلك فهناك من ينكر ذلك ويقول ان بولس لم يؤكد بطريقة مباشرة مطلقا الوهية المسيح.

وفى هذا يقول هـ. ل. جورج فى كتاب له انه يقول عنه ـ كما راينا ـ الها مباركا إلي الابد ( رو 9 : 5 ). ولا يوجد تفسير اخر ممكن لهذه الاية.

ونفس هذا التعبير عن الوهية المسيح يتكرر بصور مختلفة كما في ( 2 تس 1 : 12، تي 2 : 13 ). ونرى نفس الدرجة من الوضوح في القول فان فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ( كو 2 : 9 ـ مع كو 1 : 19 ). وبنفس الدرجة ايضا ما جاء ان المسيح يسوع اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله ( في 2 : 6 ). ومهما كان المعنى الذي نفهمه من كلمة صورة فانها تؤكد لاهوت المسيح صراحة. ويستخدم الرسول بولس العبارات التي قيلت عن يهوه ـ فى العهد القديم ـ فى الاشارة إلي الرب يسوع ( رو 10 : 12 ـ 13، 1 كو 1 : 2، 1 كو 2 : 16، في 2 : 10 ـ 11 ). وهو يؤكد ان عبارات العهد القديم لا تنطبق على الرب فقط بل يستخدمها للاب ايضا، فالكلمات التى يقتبسها عن الرب يسوع لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الارض، ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الاب ( في 2 : 10 ـ 11 ) هي نفسها الكلمات التي يستخدمها في الاشارة إلي الاب لانه مكتوب انا حي يقول الرب انه لي ستجثو كل ركبة وكل لسان سيحمد الله ( رو 14 : 11 ). فالمسيح في الاب والاب في المسيح، فلا عجب ان نستخدم نفس العبارات في الاشار ة اليهما، فيمكننا ان نخطيء إلي المسيح كما نخطيء إلي الله (1كو 8 : 12 )، ونجرب المسيح كما نجرب الله ( 1 كو 10 : 9 )، كما ان يوم يهوه ( الرب ) اصبح يوم ربنا يسوع المسيح ( 1كو 1 : 8 )، وكرسي قضاء الله ( رو 14 : 10 ـ 12 ) هو كرسي قضاء المسيح ( 2كو 5 : 10 )، وملكوت الله (رو 14 : 17 ) هو ملكوت المسيح ( أف 5 : 5 )، وكنيسة الله ( 1 كو 10 : 32 ) هى كنيسة المسيح ( رو 6 : 16 )، وروح الله ( رو 8 : 9 ) هو روح المسيح ( كو 2 : 11 ).. حقا لا يهم ان كنا نعبر عن ايماننا الذي يطلبه الله منا بانه ايمان بالله او ايمان بالمسيح، لان الايمان بالمسيح هو نفسه الايمان بالله وليس شيئا اخر، لان الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه ( 2كو 5 : 19، يو 14 : 5 ـ 9 ) ومن ياتي إلي المسيح ياتى إلي الله.

2- الروح : نال بولس قوة عند تجديده، مثل القوة التي نالها الرسل في يوم الخمسين ( أع 1 : 8، لو 24 : 49 )، فصار بذلك مؤهلا ان يصير شاهدا مقتدرا للرب يسوع المسيح ورسالته، ومنحته هذه القوة كل ما يحتاجه من مؤهلات ومواهب فائقة لكى يؤدي خدمته كرسول للامم ( غل 2 : 7 ـ 10 )، الا ان بولس لا يؤكد العمل المعجزي للروح بقدر تاكيده عمل الروح في التقديس وبنيان كنيسة الله.

ولا بد انه كان يؤمن ـ مثل كل اليهود مستقيمي الراي ـ باقنومية ولاهوت الروح، وكلا الامرين واضحان في العهد القديم بصورة تتفق مع تلك المرحلة لكن ليس بنفس الكمال الموجود في كتابات العهد الجديد.

وفي كل الاجيال فان الروح هو الاقنوم المنفذ في اللاهوت ، ويبرز بوضوح في تدبير العهد الجديد لتحقيق خير الكنيسة ونموها الروحي. وكوعد المسيح ذاته، تولى الروح تدبير امور الكنيسة بعد صعود المسيح، كالممثل الدائم لله، ويسمى روح المسيح لانه يمنح بركات الخلاص للمؤمنين ( رو 8 : 9، يو 3 : 34 ).

وبولس الرسول هو اكثر كتاب العهد الجديد ادراكا لطبيعة وحضور وعمل الروح. واقنومية والوهية الروح امر مسلم به عند بولس ولا يحتاج إلي برهان. وقد احس بولس ـ من خلال يقينه القوي ـ ان هذه الحقائق الناطقة لا تحتاج إلي اثبات. اما عن اقنومية الروح، فان المعرفة ( كو 2 : 10 ـ 11 )، والمشيئة ( 1 كو 12 : 11 ) والقصد والاهتمامات ( رو 8 : 27 )، والمحبة والشعور ( رو 15 : 30، أف 4 : 30 ) كلها تنسب للروح. كما ان عمله في منح بركات الفداء للمؤمنين يتضمن اقنوميته. وهو الباراقليط المعزي ( المعين ) في كل الاوقات وبكل الطرق.

وهو يقود المؤمنين في كل شئون حياتهم متى انقادوا له ( أع 16 : 6 و 7، رو 8 : 14 ـ انظر ايضا : يو 14 : 16 ـ 18، 15 : 26 و 27، 16 : 13 ). ويعلم معلمى الكنيسة ( اكو 2 : 13 )، ويحدد مجالات العمل ( أع 13 : 2 )، ويشفع فينا بانات لا ينطق بها ( رو 8 : 26 )، ويصرخ فينا يا ابا الاب ( غل 4 : 6 ).

هل يمكن استخدام مثل هذه اللغة فى الاشارة إلي مجرد قوة او تاثير ؟! ! بالقطع لا، فان هذه الايات والعديد غيرها تدفعنا إلي الراي القائل بان بولس كان مقتنعا تماما باقنومية الروح ويود ان يقتنع بذلك من يكتب لهم.

وايمانه بالوهية الروح على نفس المستوى من الوضوح، ففي سفر الاعمال ( 28 : 25 ـ 27 ) ينسب للروح القدس الكلام المنسوب في سفر اشعياء إلي الملك رب الجنود ( اش 6 : 8 ـ 10، 6 : 5 ) والروح يماثل المسيح في الجوهر والغابة والقوة ( 2 كو 3 : 17 ).

ومند مولد الكنيسة نجد ان الوهية الروح امر معروف، تعلم وتنادي به الكنيسة، فبطرس يؤكد ان حنانيا قد كذب على الروح القدس، وبهذا فهو لم يكذب على الناس بل على الله ( أع 5 : 3 ـ 4 ).

ولسنا في حاجة إلي الاستشهاد بالكثير من الفصول لاثبات ان هذه العقيدة كانت تتخلل كل تعليم بولس، والكثير من الفصول التى تعلم باقنومية الروح تتضمن ان للروح كل صفات الالوهية، مثل كونه كلي الوجود ( 1 كو 12 : 13، رو 8 : 9 ـ 11 )، كلي القدرة ( رو 8 : 11، تى 3 : 5 )، كلي العلم ( 1 كو 2 : 10 ـ 11 )، كما تنسب اليه لقوة التجديد ( رو 8 : 2، 1كو 6 : 11، تي 3 : 5 ـ انظر ايضا يو 3 : 5 و 6 و 8 ).

وفى كل تعليم بولس، نجد ان مساواة الروح بالاب والابن : اما مؤكدة او مفترضة دون حاجة إلي برهان ( أف 2 : 18، 2 كو 13 : 14 ) وفي نفس الوقت فهو متميز عنهما. ومن الملاحظ انه فى الكثير من الشواهد السابقة يفترض بولس عقيدة الثالوث وان كان لم يذكر صيغة رسمية لها، فمن الواضح انها تشكل اساس فكره اللاهوتي. ويسيطر ايمانه الثالوث على مفهومه عن خطة الله العظيمة لفداء الانسان من الخطية.

3- الاتحاد الروحاني : من خلال تجربته الشخصية وبارشاد الروح، امن بولس بشده بتعليم الاتحاد الروحاني غير المنظور، تلك العلاقة الروحية الابدية السرية الوثيقة الحقة مع المسيح بفعل روح المسيح في وقت التجديد، حيث يتحقق حلول متبادل بين المسيح والنفس التي احياها.

فالمسيح يحل في المؤمن ( رو 8 : 9 ـ 11 ـ انظر ايضا : يو 3 : 34، أف 3 : 17، كو 1 : 27، يو 14 : 23 )، والمؤمن كائن فى المسيح ( 1 كو 1 : 30، 2 كو 5 : 17 )، ومع انه اتحاد بين اشخاص، الا انه ليس اتحادا شخصيا لان المؤمنين لايكونون شخصا واحدا مع المسيح، بل جسدا سريا واحدا، والمسيح هو راس الجسد في السلطان والنفوذ ( ا كو 12 : 12 ـ 27 ).

هذا الاتحاد اتحاد روحي حيث يملا الروح الواحد كلا من الراس والاعضاء ( رو 8 : 9، اكو 6 : 17 )، كما انه اتحاد حقيقي لاننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه ( أف 5 : 30 ) وهو اتحاد وثيق ( اكو 3 : 10 و 11، أف 2 : 20 ـ 22، 5 : 23 )، وسري ( 2كو 6 : 16، غل 2 : 20، 3 : 27، أف 5 : 32، كو 2 : 12 )، وابدي ( رو 8 : 38 و 35 ).

وبالاختصار فانه اتحاد حيوي يشارك المؤمنون من خلاله في كل الامتيازات التى ضمنها لهم موت المسيح وقيامته، وفي كل استحقاقات اعماله كفادي البشر، كما يشاركونه في مجده العتيد ( رو 6 : 1 ـ 10 ).
  رد مع اقتباس