عرض مشاركة واحدة
قديم 25 - 01 - 2013, 09:01 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
كيلارا Female
..::| مشرفة |::..


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1049
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 10,034

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

كيلارا غير متواجد حالياً

افتراضي رد: بحث متكمل عن بولس رسول الأمم

أما من جهة مظهره الخارجى، فليس عندنا سوى لمحات غير مبإشرة فى العهد الجديد. فما حدث في لسترة، من أن أهل لسترة ـ فى حماستهم الخاطئه ـ اعتبروا برنابا زفس كبير آلهة الأولمب، واعتبروا بولس هرمس رسول الآلهة المجنح ( أع 14 : 12 )، نرجح أن برنابا كان أكثر جلالة ومهابة، بينما كان بولس أقل منه مظهراًولكن افصح لساناً. ولعل ما يؤيد القول بأنه لم يكن ذا مظهر جذاب، ما كان يقوله معارضوه فى كورنثوس : الرسائل ثقيلة وقوية، اما حضور الجسد فضعيف ( 2 كو 10 :10 ). ويذكر بولس نفسه امرين كان لهما ـ ولابد ـ اثر في إضعاف مظهره إلى حد ما ـ فى شيخوخته على الاقل :

2- اعتلال صحته الذي يشير إليه بعبارة : شوكة في الجسد ( 2كو 12 : 7 ـ10 )، وتجربتي التي فى جسدي ( غل 4 : 13 ـ 15 ) والتي تضرع إلى الرب من أجلها مراراً.

1- سمات الرب يسوع فى جسده، والأرجح أنه يقصد بها آثار الجروح والضربات التي أصابته كخادم للإِنجيل، والتي كان يعبترها سمات مقدسة تدل على صلته بالرب يسوع المسيح ( غل 6 : 17 ).

كما أن رسالتيه إلى كنيسة كورنثوس تدلان على أنه كان يعتبر نفسه أقل بلاغة في الكلام من الآخريين ( اكو 2 : 1 ـ 5،2 ـ كو 10 : 10، 11 : 6 ).

وفى نفس الوقت تدل رسائله على أنه كان رجلاًحاد الذكاء، مرهف الحس، ملتهب الروح، شديد الحيوية، قوي العزم، واسع الصدر، صادق الود. وقد وصفه أحد شيوخ أسيا الصغرى فى القرن الثاني بأنه كان : رجلاًقليل الحجم، أصلع الرأس، أعوج الساقين، قوي البنية، له حاجبان مقرونان، وأنف معقوف بعض الشيء، ودوداًإلى أبعد الحدود، كان يبدو عليه أحياناًأنه إنسان، وأحياناًآخرى أنه ملاك ( أعمال بولس وتلكه 3 ). ومع أن هذا الوصف قد يكون مأخوذاًمما جاء فى العهد الجديد، إلا أنه قد يكون وصفاًصحيحاًيرجع إلي أيام الكنيسة الأولي.

ويبدو أن مسألة هل تزوج بولس أم لم يتزوج، ستظل معلقة لا يمكن القطع فيها برأي، وإن كان الأرجح انه ظل أعزب طيلة حياته. أما ما يقوله البعض من أنه كعضو فى السنهدريم ( انظر أع 26 : 10 ) كان يجب أن يتزوج وأن يكون له أولاد فهو قول يعوزه الدليل، إذ أنه تقليد يرجع إلى زمن الربي أكيبا فى أوآخر القرن الأول أو أوائل القرن الثاني بعد الميلاد، ولم يكن أمراًمحتماًقبل ذلك، كما أنه لا يمكن التعويل على ما ذكره أكليمندس الاسكندري من أن بولس كان متزوجاً، ولكنه ترك زوجته في فيلبي حتى لا تعوقه عن التجوال، وأنها هي المقصودة بالقول : أنت أيضاًيا شريكي المخلص ( في 4 : 3 )، فمن غير المعقول مطلقاًأن يحرض الرسول بولس غير المتزوجين والأرامل فى كورنثوس على أن يظلوا بلا زواج كما أنا ( ا كو 7 : 8 ) لو أنه كان متزوجاً. كما أن المتصوفين من الكورنثيين كانوا يدعمون آراءهم بالإِشارة إلى أن بولس لم يكن أرمل بل أنه لم يتزوج أصلاً.

كان بولس رجلاًحضرياًمثقفاًله مواقف وخبرات هيأته لرحابة الفكر واتساع الخدمة. لقد نشأ في وسط المركز التجاري والثقافي فى مدينة طرسوس، وتربي فى مدينة أورشليم عاصمة اليهود، وركز خدمته فى العواصم الرومانية الكبيرة، وتطلع إلى المناداة بالإِنجيل فى روما نفسها عاصمة الامبراطورية. وتظهر الحصرية فى استعاراته المأخوذة عن حياة المدنية مثل ميدان الألعاب ( اكو 9 : 24 ـ 27، فى 3 : 14 ) والأحكام الشرعية ( رو 7 : 1 ـ 4 غل 3 : 15، 4 : 21 )، والمواكب ( 2كو 2 : 14، كو 2 : 15 )، والمعاملات فى الأسواق ( 2 كو 1 : 22، 5 : 5 ). لقد كان واسع الثقافة فى تقاليد الآباء، كما أنه اتصل أتصالاًوثيقاًبالثقافة اليونانية، وحصل على الرعوية الرومانية، لذلك كان قادراًعلى أن يتحدث بسهولة لجميع قطاعات العالم الروماني.

أ‌- عبراني من العبرانيين : لكى تفهم بولس جيداًيجب أن نرجع إلى حياته الأولى فى الديانة اليهودية، إلى موضعه فيها وموقفه منها، ثم إلى نشاطه واختباره فى ديانة آبائه.

فبولس يصرح بكل جلاء بأنه يهودي عبراني، وافر الغيرة فى تقاليد الآباء، فقد كان فريسياًلايبزه أحد فى فريسته ( أ ع 22 : 3، 2 كو 11 : 22، وفي 3 : 5 ) : وقد يشك البعض فى ذلك على أساس ظروف نشأته فى طرسوس والمواقف التي عبر عنها فى رسائله والتي تدل على أن بولس كان يقف فى الجانب المتسامح من اليهودية. وفى الحقيقة ليس هذا الأمر بذي أهمية كبيرة فى ذاته، لأن الله قادر على أن يتمم أغراضه مهما كانت خلفية الإِنسان الذى يختاره.

وبينما كان البعض يرون فى بولس يونانياًمن اليونانيين ، إلا أن الكثيرين الآن قد بدأ و فى النظر إلى عبرانيته بأكثر جدية. فالتمييز القديم بين اليهودي فى أرض اليهودية، واليهودي فى الشتات، باعتبار الأول أصح فى عقيدته، لم يكن فى محله دائماً، حيث أن سلامة العقيدة اليهودية لم تتوقف كثيراًعلى التوزيع الجغرافي، مثلما على المناخ العقلي سواء فى الوطن أو فى الشتات. وإدراك بولس لوحدة الناموس، ولعجز الإِنسان عن حفظ الناموس، يمكن أن نجد له مثيلاًفى بعض الكتابات اليهودية فى عصره. وإلحاحه فى الحديث عن عجز الإِنسان كالخلفية التي يظهر امامها سمو رحمة الله ونعمته، يظهر بشدة في تعليم بعض افاضل الربيين.

ولعل سلامة عقيدة بولس لا تظهر أكثر مما فى موقفه من الأسفار المقدسة، حيث كان من عادته أن يستند في أقواله إلى التعاليم القديمة الأصيلة، وليس إلى تفسيرات معاصريه، حتى فى كرازته للأمم وتعليمه بالاتحاد الشخصى الكامل مع الله في المسيح ـ رغم أختلافه إلى حد ما، في مداه ومحتواه عن اليهودية كان قريب الشبه بالتعبيرات الرفيعة الموجودة فى التلمود. وكلما يتعمق الإِنسان فى فكر الرسول ( مع الأخذ فى الاعتبار ما أحدثته قيامة الرب من مفاهيم جديدة )، يجد ان اقوال بولس ومزاجه العقلي وأساليب تعبيره، لها جذورها العميقة فى أنبل صور الفريسية اليهودية قبل خراب أورشليم.

وليس معنى هذا أن ننكر وجود أفكار وتعبيرات يونانية فى كتاباته. ومع عدم ظهور أي أثر عميق للفلسفة اليونانية في تفكيره، إلا أنه استطاع أن :

1- يطوَّع لغتها الدينية ويستخدمها في شرح الحق المسيحي ( كما في كو 1 : 15 ـ 20 ).

2- يستشهد بأقوال بعض كتاَّبها ( أ ع 17 : 28، اكو 15 : 33، تي 1 : 12 ).

3- يناقش الأمور اللاهوتيه بنفس أسولبهم ( رو 1 : 19و 20، 2 : 14، 15 ).

4- يستخدم أسلوبهم في النقد اللاذع ( كما في رو 2 : 1 ـ 3 : 20، 9 : 1 ـ 11 : 36 ).

وهذه أشياء كان يمكنه اكتسابها فى أثناء دراسته عند الربيين في أورشليم، حيث كان الربيون واسعو الأفق، يتعلمون شيئاًعن أساليب تفكير الأمم. كما كان يمكنه اكتسابها فى اتصالاته الشخصية فى طرسوس، أو فى رحلاته الكرازية بعد ذلك. ومهما كانت كيفية اكتسابها، فإن بولس استخدمها لأنها كانت قادرة على نقل المعنى الذى يريده بدون الإِشارة إلى مفهومها فى الفسلفة الدينية اليونانية. وهي تبدو فى رسائله شيئاًثانوياًيختص بالسطح أكثر مما بلب فكرة وتعليمه.

ب- مضطهد الكنيسة : أول ما يظهر بولس على صفحات العهد الجديد، يظهر في دور مضطهد الكنيسة، فقد شارك في رجم استفانوس، كما كان يجر المؤمنون في أرشليم إلى السجن، ويسترجع المؤمنون الذين فروا إلى مناطق خارج أورشليم طلباًللنجاة ( أ ع 7 : 58 ـ 8 : 3، 9 : 1و 2، 1كو 15 : 9، في 3 : 6 ).

ويرى البعض أن هذا العمل لم يكن يليق بتلميذ نابه من تلاميذ معلم واسع الفكر متسامح مثل غمالائيل الأول، فكلمات غمالائيل في الاعمال ( 5 : 34 ـ 39 ) مثال للاعتدال في وسط جو من السعار المجنون. ولكن ما يجب ملاحظته هو انه في العيون الفريسية ـ على الأقل ـ كان الموقف الذي واجه غمالائيل، يختلف تماما عن الموقف الذي واجه الربي الشاب شأول، فقبل تلك المشورة التي أبداها غمالائيل، يسجل سفر الأعمال شهادة الكنيسة عن يسوع المسيا والسيد والمخلص، وعن موته بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، وعن قيامته الظافرة، ومكانه السامي الآن كالفادي الممجد. كانت كرازة المسيحيين الأوائل عملية في أساسها، بدون الدخول في التفصيلات الكاملة للتعليم الذي تتضمنه عقيدتهم. ولم يسبب هذا التعليم انزعاج السنهدريم ـ وبخاصة الصدوقيين والكهنة ـ فحسب، بل كان الأهم من ذلك أنه كان تحدياًلسلطاتهم. أما بالنسبة للفريسيين ـ الأكثر نبلاًوتسامحاًـ كان مسيحيو أورشليم مازالوا معتبرين داخل دائرة اليهودية، ولم يكن هناك ما يدعو لمعاملتهم كهراطقة، وكان في الامكان تأويل ما يقولونه عن الوهية يسوع المسيح، وبخاصة أن المسيحيين من اليهود لم يظهروا أي تهاون في حفظ الناموس نتيجة لعقيدتهم الجديدة. ولكن في الفترة من مشورة غمالائيل وتصرف بولس مع المسيحيين، ظهركرازة المسيحيين ما أعتبره أغلب اليهود نذيراًبالارتداد. ونجد في الأصحاحين السادس والسابع من سفر الأعمال أن استفانوس أخذ في تطبيق مسيانية يسوع على عهد الناموس. ولعل ما دفعه إلي ذلك هو موقف إليهود العائدين من الشتات إلي موطنهم تحدوهم رغبة متقدة لحفظ الناموس بأكثر تدقيق، وكانوا شديدي الاهتمام بموقف المسيحيين منه. ولا شك في أن استفانوس كان له اهتمام جاد بالموضوع نفسه، ولكنه كان سبيلاًيكتنفه الخطر الشديد، ولم يكن الرسل أنفسهم قد سلكوه حتى ذلك الوقت، مع أنه كان كامناًفي صلب إيمانهم بيسوع كالمسيا. لقد كانت أقوال استفانوس في نظر اليهود، ارتداداًفي أشنع صوره. ولو كان غمالائيل قد واجه مثل هذا الجانب من المسيحية، لكان موقفه قد تغير. فقد كان التعليم الجديد يهدد أسس اليهودية، وأمام ذلك، كان يمكن لبولس أن يحظى بموافقة معلمه العظيم، على ما شرع فيه من اجراءات ضد المسيحيين.

ولعل الأساس المنطقى لهذا التصرف العنيف جاء نتيجة للفكر السائد، من أنه بينما لا يوجد شيء يمكن أن يعجل بمجيء عصر المسيا أو يعوقه، فان شيوع الإِثم والارتداد في الأمة يمكن أن يعطله. وهكذا وجه بولس جهوده ضد اليهود المؤمنين بيسوع الناصري، لأن زعيمهم ـ من وجهة نظر بولس ـ قد برهن الصلب بُطل دعواه، وأن كرازتهم التي تسبب الانقسام، ستعمل على تأخير مجيء عصر المسيا الموعود به لإسرائيل.

كما أن تصرف بولس، كان يمكن تبريره كتابياً، اذ نجد في سفر العدد (25 : 1 ـ 5 ) كيف أمر موسى بقتل الذين تعلقوا ببعل فغور قبيل دخول الشعب إلى كنعان. ثم نقرأ بعد ذلك عن ارتداد غضب الله بسبب ما قام به شخص وأحد، هو فينحاس، الذى نال استحسان الله من أجل غيرته وحيلولته دون ارتداد إسرائيل، وذلك بقتله اثنين من رؤوس الفتنة والشر. وكان الموقف في نظر بولس، يبدو شبيهاًبذلك، فإسرائيل على وشك الدخول إلى الأرض لأن عصر ملك المسيا يقترب، وهذا الارتداد يمكن أن يؤخر بركات الله. ويحتمل أيضاًأن ما قام به متنيا وبوه ( من المكابين ) منذ حوالي قرنين من الزمان، من استئصال الارتداد من وسط الشعب ( امك 2 : 23 ـ 28و 42 ـ 48 )، كان نصب عينيه، وربما كان يرن في أذنيه ذلك القول : فإنه إذا لم يُهمل الكفرة زمناًطويلاً، بل عُجِّل عليهم بالعقاب، فذلك دليل على رحمة عظيمة ( 2مك 6 : 13 ).
يتبع
  رد مع اقتباس