4- الكنيسة واحدة على صورة الثالوث الأقدس
إنّ الكنيسة هي شعب الله الذي يحيا حياة الله، الآب والابن والروح القدس. لذلك يمكننا القول إنّ الكنيسة هي امتداد الثالوث الأقدس في العالم. يقول ترتليانوس: "حيث الأقانيم الثلاثة، أي الآب والابن والروح القدس، هناك الكنيسة، لأنٌ الكنيسة هي جسد الثلاثة".
لقد صلّى يسوع لكي يكون الذين يؤمنون به واحدًا على مثال وحدته مع الآب: "لست لأجلهم فقط أصلّي، بل لأجل الذين يؤمنون بي عن كلامهم أيضاً، لكي يكونوا بأجمعهم واحدًا. فكما أنك أنت أيّها الآب فيّ وأنا فيك، فليكونوا هم أيضاً فينا، حتى يؤمن العالم أنّك أنت أرسلتني" (يو 17: 20، 21).
إنّ وحدة الكنيسة يجب أن تكون على مثال وحدة الثالوث، أي وحدة في الكيان وتعددية في الأشخاص. فكا أنّ هناك إلهًا واحدًا في ثلاثة أقانيم، هكذا يجب أن تكون الكنيسة واحدة في أشخاص متعدّدين. وهذا ينطبق على صعيد الأشخاص وعلى صعيد الكنائس المحلّية. فالكنيسة الواحدة لا تزيل تعدّدية الكنائس المحلّية، ولا ينبغي اعتبار هذه التعددية نقصاً في كيان الكنيسة بل هي أمر أساسي في كيانها، كما أنّ تعدّدية الأقانيم أمر أساسي في كيان الله.
إنّ "الأنا" الشخصي لا يذوب في كيان كنسي يمثّله رؤساء الكنيسة، فالكنيسة لا يمثّلها فقط رؤساؤها بل كل مسيحي يحيا حياة المسيح. إنّ الأنا الشخصي يتأكّد وجوده بالانفتاح على "الأنا" الكنسي بحيث يمكن تحديد الكيان الكنسي بعلاقة محبة وحياة بين أشخاص يحيون من حياة الله.
وكذلك الكنائس المحلّية لا تذوب في كيان كنسي تمثّله الكنيسة الأولى، كنيسة رومة، والأسقف الأوّل، أسقف رومة، بل يتأكّد وجود كل كنيسة محلّية بانفتاحها على سائر الكنائس المحلّية، إذ تدرك كل كنيسة أنّها، على غرار سائر الكنائس وبالاتحاد معها، محافظة على وديعة الإيمان وتحيا من حياة الله، بحيث يمكن تحديد الكيان الكنسي علاقة محبة بين كنائس محلّية مختلفة تحيا من حياة المسيح. أمّا دور أسقف رومة فهو المحافظة على المحبة والوحدة بين جميع الكنائس المحلّية.
إنّ تقدّم الحركة المسكونية للبلوغ بالكنائس المحلّية إلى الوحدة المنظورة رهن بتلك النظرة اللاهوتية الثالوثية إلى سر الكنيسة، فهي تضمن التوازن بين الوحدة والتعددية.