عرض مشاركة واحدة
قديم 24 - 01 - 2013, 01:19 PM   رقم المشاركة : ( 37 )
the lion of christianity Male
سراج مضئ | الفرح المسيحى


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1024
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : U.S.A
المشاركـــــــات : 753

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

the lion of christianity غير متواجد حالياً

افتراضي رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس



4- النعمة في حياة المسيحي اليوميّة

إنّ القول بأنّ النعمة هي عطاء الله ذاتَه لنا ليشركنا في طبيعته الإلهية هو تأكيد حضور الله بذاته في تاريخنا ليخلّصنا ويقدّسنا ويبرّرنا. إنّ الله الخلّص حاضر بنعمته حضورًا مباشرًا في كل أبعاد حياتنا، الشخصية والجماعية، الروحية والجسدية. والإنسان المبرّر الذي يحيا في الإيمان والرجاء والمحبّة هو نفسه تجلّي الله. هذه هي الناحية الأولى في التجلي، ناحية الإيجابية والحضور والقرب والمماثلة. إلا أنّ هناك ناحية ثانية في التجلّي هي ناحية السلبية والغياب والبعد والفرق، نجدها في التشابيه والتعابير الكتابية التي ترى في النعمة علاقة عهد واختيار وحوار ومحبّة بين الله والإنسان. وفي هاتين الناحيتين مجتمعتين يندرج عمل حرّية الإنسان، بحيث يمكننا القول معاً بالنعمة والحرية، والتوفيق بين عمل الله وعمل الإنسان. فالله هو مبدأ حرية الإنسان، ومبدأ كل ما تستطيع تلك الحرّية القيام به، وتلك هي ناحية الحضور والقرب والمماثلة في تجلّي نعمة الله، أمّا ناحية الغياب والبعد والفرق فتكن في جواب الإنسان على مبادرة الله وفي ما تقوم به روحه الخلاّقة على مدى الزمن والتاريخ، بحيث يتجلّى الله من دون أنَ يقضي علىَ حرّية الإنسان وإبداعيته.

إنّ هذه النظرة للنعمة واقعية تبقى على الصراع الذي يلازم الإنسان في عمل حرّيته حتى نهاية الزمن والتاريخ، وتمنع الإنسان من أن يعيش في وهم خيال زائف يرغب في إزالة كل مسافة بينه وبين ذاته، وبينه وبين الآخرين، وبينه وبين الله. إنّ النعمة لا تزال تلك المسافات بل تحرّر حرّية الإنسان ليتمكن من بناء ذاته في علاقة محبة مع الآخرين ومع الله.

ء) تجلّي الله في صلاة المسيحي

عندما يدخل المسيحي في الصلاة يتجلّى له الله في الوقت نفسه قريبًا وبعيدًا، حاضرًا وغائباً، ويدرك معاً أنه يشترك في الطبيعة الإلهية وأنّه لا يزال إنساناً خاطئاً. تلك هي خبرة القديسين والصوفيين المسيحيين الذين بقدر ما يتّحدون بالله يدركون بعدهم عنه، وبقدر ما يدخلون في عالمه يدركون كثافة الظلام والسحاب التي تكتنفهم.

في الصلاة يتجلّى لنا عمل الله للبشر، فنذكر "أعمال الله منذ القديم"، الخلق، والوحي بواسطة الأنبياء، والخلاص بالمسيح، وإرسال الروح القدس على التلاميذ، فنسبّح الله ونباركه ونشكره ونطلب إليه أن يرسل إلينا نحن أيضًا روحه القدّوس ليمكث فينا ويحوّلنا إليه كما يحوَّل الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه.

في الصلاة نفتح كياننا لنمتلئ نحن اليوم من نعمة الله التي أنعم بها على البشر منذ البدء وفي المسيح وفي الروح القدس.

ولكنّنا ندرك في الوقت ذاته أنّ كياننا الذي اشترك في الطبيعة الإلهيّة والحياة الإلهية لم ينصهر بعد في كيان الله، وأنّ الخطيئة لا تزال فينا تبعدنا عن قداسته. وهذه هي المفارقة التي لا بد لنا أن نعيش فيها ما دمنا على هذه الأرض، والتي نختبرها كل مرّة ندخل في الصلاة، من غير أن تحملنا على اليأس، لأنّها الشرط الأساسي الذي يتيح لحرّيتنا الإسهام في عمل الله. إنّ "السلبية" الملازمة لحضور الله هي الفراغ الذي يطلب منا الله أن نملأه بحضورنا البشري.

ب) تجلّي الله في عمل المسيحي

وفي العمل كما في الصلاة تتجلّى لنا نعمة الله في بعديها الإيجابي والسلبي. فالعالم حيث نحن نعيش نجد فيه جنبًا إلى جنب الملء والفراغ، الخير والشر، إذ إنّ عمل الله الحاضر في العالم لا يزيل كل ما فيه من نقص وضعف. لذلك نرى أنفسنا في عالم مفعم بالحبّ وبالبؤس والشقاء والحقد والكراهية. إنّ بين الله وتجليه في العالم مسافة مستمرّة، هي المجال الذي يندرج فيه عمل الإنسان.

إن الله لا يقوم في عمله مقام الإنسان. لذلك لا تتجلّى نعمته إلاّ من خلال عمل الإنسان، في صوت الأنبياء الذين يكرزون بالمحبة، في عمل كل إنسان يجسّد محبة الله عملاً في الزمن، وفي صراخ البائسين الذين يستغيثون برحمة من يستطيع إنقاذهم من بؤسهم، وفي الرحماء الذين يرون فيهم صورة الله وصورة المسيح: "كنت جائعًا فأطعمتموني، وعطشان فسقيتموني، وغريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني ومريضًا فعدتموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ" (متى 25: 35، 36)؛ وتتجلّى في الذين يؤمنون بحضور الله في العالم وفي المسيح، ويشهدون على هذا الحضور بعملهم وحياتهم. إنّ الله حاضر في الكون إنِّما حضورًا يتضمّن علي الدوام غيابًا على الإنسان أن يملأه بحضوره. إنّ نعمة الله تتضمّن دومًا انحجابًا على الإنسان أن يملأه بعمله.

وهكذا يكون المسيحي في صلاته وعمله تجلّي الله.

  رد مع اقتباس