عرض مشاركة واحدة
قديم 24 - 01 - 2013, 01:12 PM   رقم المشاركة : ( 29 )
the lion of christianity Male
سراج مضئ | الفرح المسيحى


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1024
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : U.S.A
المشاركـــــــات : 753

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

the lion of christianity غير متواجد حالياً

افتراضي رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس



الفصل الثاني

النعمة في كتابات آباء الكنيسة

هناك تيّاران في لاهوت النعمة عند الآباء: فالآباء الشرقيّون يرون النعمة في تأليه الإنسان. بينما يرى الآباء الغربيّون النعمة في التحرّر من الخطيئة. فالتيّار الأوّل يستند إلى كتابات يوحنا الإنجيلي، ويشدّد على تجسّد الكلمة الذي بواسطته يصبح الإنسان ابن الله، بينما يرتكز التيّار الثاني على رسائل بولس الرسول، ويرى في النعمة مساعدة يعطيها الله للإنسان ليحيا حياة قداسة على مثال المسيح. فالتيار الأول يركّز على كيان الإنسان، بينما يركّز التيّار الثاني على عمله. فالنعمة عند آباء الكنيسة الشرقيّة تهدف إلى رفع كيان الإنسان ليصير على صورة الله. أمّا عند آباء الكنيسة الغربيّة فتهدف إلى تحرير الإنسان من الخطيئة.

أولاً- آباء الكنيسة الشرقيّة

لقد عبر الآباء عن أفكارهم في موضوع النعمة بمناسبة ما كتبوه في الأسرار وما قام من جدل لاهوتي حول سريّ التجسّد والثالوث الأقدس.

أ) النعمة والأسرار

النعمة هي حضور الثالوث الأقدس في نفوس الذين يتقبّلون سرّ المعموديّة، فيولدون من جديد، ويتّحدون بالله، وما حياتهم إلاّ تطبيق لما حصلوا عليه بالمعموديّة.

1- ايريناوس: يشدّد على الولادة الجديدة أكثر ممّا على مغفرة الخطايا. فبالمعموديّة ينال المؤمن الروح القدس الذي يسكن فيه ويتّحد به.

وهذا الروح يجعل من المؤمن ابن الله، شبيهاً بالابن، إنساناً روحياً، بانتظار ملء النعم في رؤية الله في المجد الأبديّ.

"فالاتّحاد بالروح القدس لا يمكن فصله عن الاتّحاد بالابن والآب. فالنعمة إذاً هي قبل كل شيء موهبة غير مخلوقة: إنها حضور الثالوث في المؤمن لتقديسه ومساعدته على أن يكون إنساناً روحيّاً.

2- أوريجانوس: يرى في المعموديّة أساس الحياة الروحيّة كلها في مختلف مراحلها. فالمعمودية تشرك الإنسان في حياة الكلمة؛ والروح، بالإيمان والمعرفة والمحبة، يقوده إلى الآب. فيصير إنساناً جديداً، قد تحرر من الاستعباد للخطيئة، وأخاً للمسيح وابناً للآب.وهكذا يشترك في الطبيعة الالهيّة بالمحبة والروح اللذين أفيضا في قلبه.

بالروح يشترك المسيحيّ في الكلمة الذي يصبح فيه مبدأ حياه إلهية. وهكذا يتجدّد سكنى الكلمة في أحشاء مريم وميلاده في أعضاء جسده السري. وتلك السكنى تصيّر الإنسان على صورة الكلمة. "إني أعلم ما في النفس التي يسكنها الله، وها هي النفس المقفرة. إن لم يكن الله فيها، إن لم يكن فيها المسيح الذي قال: أنا وأبي سنأتي إليه وعنده نجعل مقامنا، إن لم يكن فيها الروح القدس، فالنفس مقفرة. ولكن إن سكن فيها الله والمسيح والروح القدس، فهي ممتلئة من الله.

3- كيرلس الأورشليمي: إن المعموديّة تمنحنا الروح القدس ومواهبه المختلفة: "إن المعموديّةَ التي ستتقبلونها هي أمر عظيم: إنها انعتاق الأسرى، مغفرة الخطايا، موت الخطيئة، ولادة جديدة للنفس، ثوب من نور، ختم مقدس لا يمحى، طريق إلى السماء، نعيم الفردوس، عربون الملكوت، موهبة التبّني". ثم يذكر سكنى الروح القدس في النفس، التي تصبح "مسكنا إلهيّا".

ب) التجسد مبدأ التأليه والتبنّي

1- التأليه والصورة والمثال: يرى آباء الكنيسة الشرقية في تألّه الإنسان النعمة الكبرى التي يمنحها الله "للإنسان. فبينما كان الفلاسفة اليونان ينشرون نظريّة أفلاطون في التشبّه بالله، والأديان اليونانية تسعى إلى الوصول إلى خلود الآلهة بواسطة طقوس سحريّة أو طرق تقشّف بشريّة، راح اللاهوتيّون المسيحيّون يعلنون أن الاشتراك في الطبيعة الإلهية والتشبه بخلود الله والتأله لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها بجهوده الخاصّة، بل هي نعمة من الله. فالله نفسه نزل إلى البشر وتجسّد ليرفع الإنسان إليه ويشركه في حياته الإلهية. وقد صار أمراً تقليديًّا في اللاهوت الشرقيّ تقسيم تاريخ الخلاص إلى ثلاث مراحل:

- خلق الله للإنسان على صورته ومثاله

- سقوط الإنسان بالخطيئة الأصليّة

- إعادة الصورة القديمة بالتجسّد والفداء

ويقوم التألّه، أو اشتراك الإنسان في الطبيعة الإلهية الذي ورد ذكره في رسالة بطرس الثانية (1: 4)، على الخلود وعدم الفساد والحياة الأبديّة بعد الموت. فالإنسان مائت من طبيعته، أمّا الله فمن طبيعته لا يموت. ومن ثمّ فالاشتراك في طبيعة الله يعني أولاً عدم الموت.

وعندما يفسّر آباء الكنيسة قول الكتاب المقدّس إنّ الله خلق الإنسان "على صورته ومثاله" يميّز بعضهم بين الصورة () والمثال (). فالصورة هي في طبيعة الإنسان، إمّا في جسده، ونفسه حسب إيريناوس، إمّا في نفسه فقط حسب أكّليمنضوس الإسكندريّ وأوريجانوس. وهذه الصورة لا تُفقد بالخطيئة. أمّا المثال فقد فقده الإنسان بالخطيئة، وأعاده إلينا الكلمة المتجسّد. فمن يقبل خلاص المسيح وفداءه يشترك في الطبيعة الإلهية، أي في عدم الفساد وفي الحياة الأبديّة.

أمّا أثناسيوس وغريغوريوس النبيصيّ فيريان في "الصورة" ختماً إلهيًّا يضعه الله في روح الإنسان وعقله. وهذا الختم يصبح قاتماً بالخطيئة، ويعيده الفداء إلى بهائه الأوّل. أمّا "المثال" فهو الاقتداء والتشبّه بالله. فالإنسان يصير تدريجياً على مثال الله يتألّه باشتراكه في حياة المسيح الإله، وذلك بواسطة الإيمان وسري المعموديّة والافخاريستيا.

2- التبنّي: يرى أثناسيوس وكيرلّس أنّ التألّه لا يمكن أن يحصل عليه الإنسان إلاّ بالتبنّي. فالطبيعة الإنسانيّة معرّضة للفساد وبعيدة كلّ البعد عن الله. الله وحده يستطيع أن يؤلّه الإنسان. وقد صنع ذلك بواسطة الابن الذي تجسّد ليجعل من جميع الناس أبناء الله. فالابن وحده صورة الله المماثلة للآب. فهو وحده إذاً يستطيع أن يجعل الإنسان على مثال الله. "الابن إله، لأنّه يؤلّهنا". "لقد صار الله إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً."

ج) الروح المحيي: يشدّد آباء الكنيسة اليونانية على ما يميّز الروح القدس عن الخلائق. فالروح يقدّس الإنسان ويؤلّهه، فهو إذاً قدوس وإله، يقول أثناسيوس. وكذلك يقول القدّيس غريغوريوس النزينزيّ: "إذا كان الروح القدس لا يحقّ له السجود والعبادة (كإله)، فكيف يصيّرني إلهاً بالمعموديّة؟" ويتكلّم باسيليوس عن حضور الروح القدس في النفس حضوراً مقدّساً ومؤّلهاً. "وهذا الروح هو قدوس من طبيعته كما أنّ الآب هو قدوس والابن قدوس من طبيعتهما".

يشبّه كيرلّس الإسكندريّ موهبة الروح بالختم الذي نقشت عليه زهرة. فالختم هو الروح القدس نفسه، والزهرة المنقوشة على الختم هي النعمة الخلوقة. فلا وجود للنعمة في نفس المؤمن إلاّ إذا حضر الروح القدس نفسه ليسكن في تلك النفس. وهكذا يشترك المسيحيّ ليس فقط بمساعدات الروح القدس، بل يشترك في الطبيعة الإلهية ذاتها.


  رد مع اقتباس