عرض مشاركة واحدة
قديم 24 - 01 - 2013, 01:05 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
the lion of christianity Male
سراج مضئ | الفرح المسيحى


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1024
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : U.S.A
المشاركـــــــات : 753

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

the lion of christianity غير متواجد حالياً

افتراضي رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس



والآن لنتوسعّ قليلاً في ما ينتج من تلك العقيدة بالنسبة إلى معرفتنا لسرّ الله وسرّ الإنسان.

3- عقيدة الثالوث الأقدس تعريف بالله وبالإنسان

نتحدّث مراراً عن سرّ الله ونؤكّد أنّ عقيدة الثالوث الأقدس في الديانة المسيحية لا تفهمنا الكثير من هذا السرّ. ولكنّنا ننسى أنّ في الإنسان أيضاً سرًّا يستحيل علينا إدراكه. وعقيدة الثالوث الأقدس، وإن لم تحلّ سرّ الله ولا سرّ الإنسان، إلاّ أنّها تدخلنا في السرّين معاً فتلقي عليهمَا بعض الأضواء وتتيح لنا أن نتّخذ منهما موقفاً. ليست عقيدة الثالوث الأقدس عقيدة نظرية بل عقيدة ديناميكية، أي إنّها لا تهدف إلى كشف غوامض الماورائيّات وحلّ ألغاز الكون، بل إلى الدخول في عمق هذا العالم وهذه الحياة لاكتشاف مما فيهمَا من معنى. إذّاك يتجلّى لنا الله نفسه غاية العالم القصوى والمعنى العميق لحياة الإنسان.

هكذا تلقي عقيدة الثالوث الأقدس الضوء على الله والإنسان معاً، بحيث يمكننا القول إنّ أي تعريف بالإنسان لا يتضمّن علاقة الإنسان بالثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، هو تصغير وتشويه للإنسان. لذلك لا نستطيع نحن المسيحيين أن نكتفي فنعرّف الإنسان بقولنا إنّه "كائن عاقل" أو "كائن اجتماعي"، ففي هذين التعريفين نقص أساسي هو ارتباط الإنسان بالله. إنّ الإنسان مرتبط بالله في عمق كيانه. لذلك رأى آباء الكنيسة الشرقيّة أن تجسّد ابن الله لم يكن حادثاً عارضاً في تاريخ الخلاص تمّ بسبب خطيئة الإنسان وللتكفير عنها، إنا هو أمر أساس في تصميم الله منذ الأزل وفي عمق إرادته، أي في صميم كيان الله وكيان الإنسان.

يقول سفر التكوين في العهد القديم إنّ الإنسان خُلق على صورة الله. ويمكننا أن نضيف اليوم، بعد أن اكتمل الوحي في العهد الجديد، أنّ الإنسان خُلِق على صورة الله الثالوث، الآب والابن والروح القدس. فالإنسان مرتبط بالآب الذي خلقه وبالابن الذي خلَّصه وبالروح القدس الذي يؤلّهه. والصورة التي خُلق عليها الإنسان بنوع خاص هي صورة ابن الله الذي تدعوه الرسالة إلى العبرانيين "ضياء مجد الله وصورة جوهره وضابط كل شيء بقدرته" (عب 1: 3). فالإنسان إذاً حاضر منذ الأزل في ابن الله وكلمته وصورته، حاضر منذ الأزل في الله.

إنّ ارتباط الإنسان بالله في أصل كيانه يجعلنا نجرؤ على القول من ناحية أخرى إنّه لا يمكننا التعريف بالله منفصلاً عن الإنسان، ولا سيّمَا بعد أن اختبرنا كلمة الله يتجسّد ويصير إنساناً، وروحَ الله يحلّ على الإنسان مكث فيه.

نعود فنؤكّد أنّنا بقولنا هذا لا ننظر إلى الله نظرة الفلسفة الماورائية الميتافيزيقية، بل نظرة الكتاب المقدّس الوجوديّة الظهورية التي تبرز لا كيان الله كما يمكننا أن نتصوّره في ما وراء هذا الكون، بل كيان الله كما ظهر في تاريخ الخلاص.

إنّ إله الماورائيّات هو إله بعيد عن الإنسان، إنه القدرة والعظمة والسيادة، الإله الذي يتسلّط على الإنسان ويسخّره لإرادته وأهوائه. على هذا الإله ثار، وبحقّ، الفلاسفة الملحدون من أمثال فويرباخ وماركس ونيتشه. أمّا إله يسوع فلا يمكن أن يطاله أيّ نقد من إنسان، والملحدون لا يمكنهم التعرّض له لأنّهم لم يختبروه. هذا الإله الحيّ الحقيقي هو الإله القريب من الإنسان الذي اختبره رجال الله ورجال الروح، الأنبياء والرسل والقدّيسون، في الكتاب المقدّس وعلى مدى تاريخ المسيحية. هؤلاء اختبروا في الله عمق حياتهم ومعنى وجودهم وكمال ذاتهم.

إنّ التزام الله بالإنسان في هذين الحدثين الأساسين من تاريخ الخلاص، حدث تجسّد كلمة الله وحدث حلول روح الله على الإنسان، ينتج منه بالنسبة إلى كيان الله وكيان الإنسان نتائج جوهرية تتخطّى كلّ ما جاءت به الديانات التوحيدية كاليهودية والإسلام والفلسفات الماورائية التي أقرّت بوجود إله واحد خالق ومنظّم للكون. إنّ القول بالإله الواحد الأحد يجعل الله منعزلاً عن الإنسان والإنسان منعزلاً عن الله. أمّا القول بالإله الواحد الثالوث فيجعل الله في صلب تحديد الإنسان كما يجعل الإنسان في صلب تحديد الله. لذلك ليس الله في نظر المسيحية فقط الخالق الذي يرتبط بالإنسان ارتباط السيّد بعبيده، كما يقول الإسلام، وليس هو فقط الخالق الأب الذي يعتني بشعبه عناية الأب بأبنائه، كما تقول اليهودية، ففي هاتين الديانتين يبقى الله منفصلاً عن الإنسان، وإن اتّصل به بواسطة أنبيائه ورُسله وأوحى إليه بأنّه الرحمن الرحيم.

المسيحية وحدها، بقولها إنّ الابن الذي هو أقنوم في الإله الواحد تجسّد وصار إنساناً ومات على الصليب حبًّا بالإنسان، وإنّ الروح القدس الذي هو أقنوم في الإله الواحد حلَّ على الإنسان مكث فيه ويعمل معه، أدركت أنّ عظمة الله لا تكن في بُعد كيانه عن العالم والإنسان بل في اتّحاده بالعالم والإنسان في أقنومَي الابن والروح القدس.

4- سموّ الله وتعاليمه في عقيدة الثالوث الأقدس

ولكن أليس من خطر في أن يفقد الله، في النظرة المسيحية إلى الإله المتجسّد، صفة جوهرية من صفاته هي سموّه وتعاليه عن العالم والإنسان؟ أليس من خطر في أن نرى الله يندمج بالعالم بحيث لا يعود هناك فرق بين الاثنين؟

إنّ هذين الخطرين يزولان في التفسير الصحيح لعقيدة الثالوث الأقدس التي تتضمّن ثلاثة أمور: شخصانية الله، وألوهية الأقانيم الثلاثة، وتميّز الأقانيم أحدها عن الآخر.

ء) شخصانية الله: الله يتميّز عن العالم

الأمر الأوّل هو تأكيد شخصانيّة الله، أي إنّ الله شخص وليس بمجرّد قوة مبهمة تعمل في الكون. فالقول إنّ الله قوّة بهمة تعمل في الكون يقود حتماً إلى دمج هذه القوّة بالكون وعدم تمييزها عنه. أمّا القول إنّ الله شخص في أقانيم ثلاثة فيزيل هذا الخطر ويبقي على تميّز الله عن الكون. فكما أنّنا، عندما نقول إنّ الإنسان هو شخص، نعني أوّلاً أنّه متميّز عن سائر الأشخاص، له كيانه الخاص وحرّيته الخاصة، بهما يمكنه الدخول في علائق مع سائر الأشخاص، كذلك بطريقة مماثلة، عندما نؤكّد شخصانية الله، نحافظ على تميّزِه عن الكون وعلى إمكان دخوله في حوار حريّة ومحبة مع الكون والإنسان.

إنّ مفهوم عقيدة الثالوث الأقدس على هذا النحو يظهر الله مرتبطاً بالعالم والإنسان دون أن يتطابق معهما كما تقول الحلولية التي ترى تطابقاً بين الله والكون، فتعتبر أنّ القوّة الكونيّة هي نفسها الله. إنّ المسيحية تؤكّد أنّ الله مرتبط بالعالم والإنسان ولكنّه يتميّز عنهمَا.

ب) ألوهية الأقانيم: الله يسمو الكون

الأمر الثاني هو تأكيد ألوهية الأقانيم الإلهية. فالآب هو الله، والابن هو ابن الله، والروح القدس هو روح الله. والابن والروح لم يخلقه الله، بل هما من جوهر الله بالولادة والانبثاق. بهذا التأكيد تحافظ عقيدة الثالوث الأقدس على سموّ الابن والروح وتعاليهما فوق العالم والتاريخ، رغم دخولهما في العالم والتاريخ. واستناداً إلى هذا التأكيد لا نستطيع القبول بنظرية الفيلسوف الألماني هيجل (1770- 1831) الذي يعتبر الله روحاً مطلقاً مندمجاً بالتاريخ إلى حدّ أنّ التاريخ، بتطوّره وتفاعل عناصره بعضها مع بعض، يصيّره ما هو عليه ويوصله إلى المطلق. فالله، في المسيحية، يعمل في التاريخ، إلاّ أنّه يسمو التاريخ. إنّ المحافظة على سموّ الله وتعاليه بالنسبة إلى العالم والإنسان والتاريخ تبقي الإيمان الذي هو لقاء بين الله الذي يكلّم الإنسان والإنسان الذي يجيب الله، وتحافظ على إمكان حوار الحرّية والمحبة بين الله والإنسان.

ج) تميّز الأقانيم أحدها عن الآخر

الأمر الثالث الذي يؤكّد سموّ الله هو تميّز أقنوم الآب عن أقنومي الابن والروح القدس. هذا ما أعلنته الكنيسة عندما حرمت بدعة الشكلانية التي تقول إنّ الآب والابن والروح القدس ليسوا سوى أشكال مختلفة رأى فيها البشر الله الواحد حسب تطوّر عقليتهم البشرية، وإن الأقانيم لا وجود لها إلاّ في فكرنا نحن لا في طبيعة الله الواحدة. وهناك صيغة أخرى للشكلانية ترى تطوّراً وتحوّلاً في الله وتقول إنّ الله كان في العهد القديم آباً، ثم صار بالتجسّد ابناً، وأخيراً بعد قيامته صار روحاً قدساً.

إنّ كلتا الصيغتين تنفي سموّ الله وتشوّه عقيدة الثالوث الأقدس. فالآب يتميّز عن الابن والروح القدس بأنّه هو الذي أرسلهما. إنّ سموّ الآب يكمن هنا في كونه لم يتجسّد. هناك بُعد في الله لا نستطيع الوصول إليه، وهو في الله الآب مصدر أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس.

ثمّ إنّ الله لا يمكن أن يتطوّر ويتحوّل بظهوره في الزمن. إنّه "هو هو أمس واليوم وإلى الدهور"، "إذ ليس فيه ظلّ دوران ولا تحوّل". لذلك فإن كان ظهر لنا في التاريخ آباً وابناً وروحاً قدُساً، فهو هكذا في ذاته منذ الأزل وإلى الأبد.


  رد مع اقتباس