عرض مشاركة واحدة
قديم 24 - 01 - 2013, 12:59 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
the lion of christianity Male
سراج مضئ | الفرح المسيحى


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1024
تـاريخ التسجيـل : Jan 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : U.S.A
المشاركـــــــات : 753

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

the lion of christianity غير متواجد حالياً

افتراضي رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس



ثانياً- في القرن الثالث

1- البدع الثالوثية: بين الشكلانية والتبعية

إن الفكر اللاهوتيّ في عقيدة الثالوث الأقدس كان في القرن الثالث يحتلّ مرتبة وسطًا بين تيّارين متناقضين: تيّار يميل إلى إزالة التمييز بين الأقانيم، فيرى في الثالوث الأقدس إلهًا واحدًا ظهر لنا في ثلاثة أشكال مختلفة، وتيار يميل إلى رفض المساواة بين الأقانيم، فيعتبر أن الآب وحده هو إله بالمعنى الحقيقي. أما الابن والروح، فليسا من جوهر الآب الواحد. التيّار الأول يدعوه اللاهوت الشكلانيّة، والتيّار الثاني يدعوه التبعيّة.

ء) الشكلانية

ينطلق هذا التيّار من وحدانية الله. فيقول إنّ الإله واحد وهو الآب، كما يؤكّد ذلك الكتاب المقدس في كلا العهدين ولكن المسيح، حسب العهد الجديد، هو أيضا إله. فالمسيح إذن هو نفسه الله الآب. ولتفسير ذلك، يقولون إنّ الله قبل التجسّد، كان فقط آباً، ولمّا تجسّد صار هو نفسه ابنًا، وتألم وصلب ومات وقام. وكذلك الروح القدس غير متميّز عن الآب. فهو الآب نفسه الذي يملأ الكون، والذي، في التجسّد، حلّ على مريم العذراء وولد منها ابنًا. فالآب هو ذاته الابن وهو ذاته الروح.

إنّ تلك النظرة إلى الثالوث تزيل كل تمييز في الذات الإلهية، اذ تجعل من الأقانيم الإلهية الثلاثة أشكالاً خارجية لا تتميّز إلا بالنسبة إلينا نحن البشر، أما بالنسبة إلى الله، فهي أشكال مختلفة لأقنوم واحد. وينتج من تلك النظرة إزالة كلّ سموّ في الله، فالله أقنوم واحد، وهذا الأقنوم هو ذاته قد تجسّد وتألّم ومات وقام وحلّ على التلاميذ يوم العنصرة.

لقد رفضت الكنيسة هذا المفهوم للثالوث الأقدس، حرصاً منها على احترام حموّ الله عزّ وجلّ الذي لا يمكن أن يكون عرضة للتحوّل والتغيّر والتبدّل في عمق ذاته الإلهية. تؤمن المسيحية أنَّ التجسد هو اتّحاد الله بالإنسان اتّحادًا شخصيًا، لكنّها تتمسّك في الوقت ذاته بسموّ الله، لذلك تعتقد أن أقنوم الابن هو الذي تجسّد وليس أقنوم الآب. وهذا ما ستؤكّده أيضاً في إعلانها التمييز بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية في المسيح. فالكلمة، الذي هو من ذات جوهر الآب، قد اتّخذ طبيعة بشرية كاملة واتّحد بها اتّحادًا جوهريًا، وفي هذه الطبيعة البشرية تألم وصلب ومات. إلاّ أنه في طبيعته الإلهية لم يزل غير متألم وغير مائت.


إنّ ما تقصده الكنيسة في إيمانها بطبيعة المسيح في سر التجسّد هو عينه ما تقصده في إيمانها بتثليث الأقانيم في سر الثالوث الأقدس. أعني به المحافظة كل أمرين معًا: سموّ الله وتعاليه من جهة، واتحاده بالإنسانية اتحادًا شخصيًا وجوهريًا من جهة أخرى. فسمو الله تؤكّده بقولها إنّ الآب هو أقنوم متميّز عن أقنومي الابن والروح القدس، وإنّ أقنوم الابن وحده هو الذي تجسّد. واتحاد الله بالإنسانية اتحادًا شخصيًا وجوهريًا، تؤكّده بقولها إنّ الابن الذي تجسّد هو من طبيعة الله الواحدة ومن ذات جوهر الله الواحد.

ب) التبعيّة

التيار الثاني الذي رفضته الكنيسة ودعاه اللاهوت "التبعيّة" يعتبر الله الآب وحده إلهًا بالمعنى الحقيقيّ، أي إنّه الله منذ الأزل وفيه ملء جوهر الألوهة وملء الطبيعة الإلهية. أمّا الابن والروح فهما، في نظر هذا التيّار اللاهوتي، تابعان للآب وخاضعان له، وليسا من جوهر الآب ذاته ولا هما أزليّان معه.

لقد سلكت هذا الطريق في تفسير الثالوث الأقدس بدعتا التبنّوية والآريوسية، اللتين توسّعنا في تاريخها وتعاليمهما في معرض حديثنا عن ألوهية المسيح. فالتبنّوية لا ترى في المسيح سوى إنسان تبنّاه الله أو اتّحد به كلمة الله اتّحادًا عرضيّا. والآريوسيّة تعتبر الكلمة كائنًا وسطًا بين الله والخلائق. وكلتا البدعتين أرادتا في نظرتهما إلى الثالوث المحافظة على وحدانيّة الله.

إن الكنيسة قد حرمت كلتا البدعتين، اذ رأت فيهما إنكارًا لتجسّد الله وإنكارًا لاتّحاده اتّحادًا جوهريًا بالإنسانية، وعودة إلى الأساطير القديمة التي تتحدّث عن وجود إله أعظم ينبثق منه آلهة أدنَوْن ويقيم إلى جانبه رهط من أنصاف الإلهة.

ليست عقيدة الثالوث الأقدس عقيدة تعود بالفكر البشريّ إلى تعدّد الإلهة، بل عقيدة تنطلق من ظهور الله، الإله الواحد الذي لا الله سواه، ظهورًا ذاتيًّا في شخص ابنه يسوع المسيح وروحه القدوس، وتؤكد أ،ه من خلال هذا الظهور الخلاصيّ، يمكننا معرفة الذات الإلهية المثلّثة الأقانيم. هذا ما سيعمل على توضيحه اللاهوت الناشئ ابتداء من القرن الثالث.

2- اللاهوت الناشئ

في القرن الثالث صار اللاهوت علمًا قائمًا بذاته، وحاول آباء الكنيسة واللاهوتيون التوسعّ في عقيدة الثالوث الأقدس، فأكّدوا وجود الأقانيم الثلاثة، الآب والابن والروح القدس، في وجه اليهوديّة التي تعترف باله واحد دون تمييز في الأقانيم وتنكر التجسّد. كما سعوا في إظهار وحدة الأقانيم في الألوهة والكرامة إزاء الوثنية التي تقول بتعدّد الإلهة.

إلاّ أنّهم، في تفكيرهم اللاهوتي، لم ينظروا إلى الثالوث الأقدس في ذاته وفي كيانه الأزليّ بقدر ما نظروا إليه في ارتباطه بالعالم. وقد تأثّروا، في عرضهم للعقيدة، بالفلسفات اليونانية التي كانوا متشرّبين منها. لذلك لم يبلغوا إلى إزالة كل التباس في تعليمهم، وقد نرى في تعليم ترتوليانوس وأوريجانوس بعضًا من التبعيّة في كلامهما عن علاقة الابن والروح القدس بالآب.

ء) ترتوليانوس

ترتوليانوس هو أوّل لاهوتيّ في الكنيسة الغربيّة توسّع في عقيدة الثالوث الأقدس، واستخدم للتعبير عنها ألفاظًا ستثبت حتى يومنا هذا، ولا سيّمَا لفظتي "جوهر"، وأقنوم أو شخص.

لقد تأثّر ترتوليانوس بالفلسفة الرواقيّة الحلوليّة، التي كانت ترى في مبدإ الكون جوهرًا واحدًا حيًّا يجمع في ذاته بين الروحيّ والجسديّ، ويبرز خارج ذاته في تعدّد الخلائق، دون أن يفقد وحدته.

لذلك ينطلق ترتوليانوس، في عرضه لسر الثالوث الأقدس، من الجوهر الإلهي الواحد الذي ظهر بثلاثة أقانيم في الخلق والخلاص. فالأقانيم الإلهية هي، في نظره، ثلاثة أنواع من العلاقات يرتبط من خلالها الإله الواحد بالعالم، وتتساوى في جوهر الالوهة، غير أنها تتفاوت في الظهور. فالآب هو منذ الأزل، و"هو الجوهر كلّه" (ضد براكسياس، 9). أما الابن والروح فيشاركان الآب في جوهر الألوهة، إنّما بدرجة أدنى.

كذلك القول عن أزلية وجود الابن والروح جمع الآب. فهما أزليان مع الآب، ولكن ليس كأقنومين متميّزين عن أقنوم الآب، انما كصفتين في الذات الإلهية. ولم يتميّزا كأقنومين إلاّ في الزمن، أي لدى خلق الكون ولدى حلول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة. يقول ترتوليانوس:

"أن الله كان وحده.. ومع ذلك لم يكن، إذّاك، وحده بالمعنى الحقيقيّ. فقد كان معه العقل الذي فيه. إن الله عاقل، والعقل كان فيه منذ البدء، وبه كان كلّ شيء. هذا العقل يدعوه اليونانيون "لوغوس" (ضد براكسياس، 5).

ويميّز ترتوليانوس، كما فعل يوستينوس قبله، بيت الكلمة الذي هو فكر الآب وعقله منذ البدء، والكلمة الذي نطق به الآب لدى خلق العالم:

"إن الله لم ينطق بكلمته منذ البدء بيد أن كلمته كان فيه مع العقل ذاته وفي العقل ذاته، مفكراً في ما سوف يعبّر به بكلمته ومنظّمًا إيّاه" (ضد براكسياس، 5).

إن العقل والكلمة الذي قبل الخلق هو صفة خاصّة بالله، ولكنّه ليس أقنوم الابن. فعندما قال الله "ليكن نور"، وُلد منه كلمته، إذّاك ظهر الابن الوحيد المولود من الآب، والمتميّز عنه. فالابن لم يظهر في الوجود متميّزًا عن الآب إلاّ لدى خلق العالم، والروح لم يظهر متميّزًا عن الآب والابن إلاّ لدى حلوله على التلاميذ. وكما أن الابن أخذ وجوده من الآب، كذلك الروح القدس أخذ وجوده من الابن الذي طلب إلى الله الآب بعد صعوده إلى السماء أن يرسل الروح القدس على التلاميذ. وهذا ما يعنيه ترتوليانوس بالتعبير الذي صار تقليديًّا في اللاهوت الغربي: "الروح ينبثق من الآب والابن".

هكذا نلاحظ أن تعليم ترتوليانوس اللاهوتي في عقيدة الثالوث الأقدس، رغم عمقه وتأكيده على وجود "ثلاثة أقانيم في الألوهة الواحدة"، ينقصه التوازن والانسجام في الربط بين التثليث في الأقانيم والوحدة في جوهر الألوهة من جهة، ومن جهة أخرى بين ظهور الأقانيم الثلاثة ووجودها منذ الأزل في الإله الواحد.

ب) أوريجانوس

تأثّر أوريجانوس، في عرضه لعقيدة الثالوث الأقدس، بالأفلاطونية الحديثة. كيف كانت تلك الفلسفة تنظر إلى الالوهة؟

كانت الأفلاطونية الحديثة ترى في الألوهة ثلاث درجات متفاوتة. فالكائنات كلها تستق كيانها من الواحد الذي يعلو كل كيان، ولا يستطيع أي كائن بشريّ إلا حاطة به. وهذا الواحد المتسامي يظهر لذاته في كلمته الذي هو صورته وظهور كل صفاته وكمالاته. فالكلمة هو وحي الله. لذاته، هو فكر الله، وهو الإله الثاني الذي ينتقل بواسطته كيان الله من الواحد إلى تعدّدية العالم. لكن وجود العالم يبقى في فكر الله إلى أن يتحقّق بواسطة المبدأ الثالث الذي تدعوه الأفلاطونيّة الحديثة "روح العالم"، وهو الذي يمنح العالم الحياة والوجود. تلك المبادئ الثلاثة تحمل في ذاتها جوهر الألوهة، إلاّ أنّ الألوهة فيها على درجات متفاوتة.

تأثّر أوريجانوس بتلك النظرة، فرأى في الآب صفات الكائن الإلهي الأوّل، وفي الابن صفات الكلمة الإله الثاني، وفي الروح القدس صفات الإله الثالث وروح العالم. فنتج في رؤيته للثالوث الأقدس المسيحيّ تدرّج في الألوهة بين الآب والابن والروح، ومع ذلك فقد أكّد، على خلاف ما سيعتقده آريوس، المساواة في جوهر الألوهة بين الأقانيم الثلاثة، وأزليّة وجود الابن والروح مع الآب.

فالابن هو، في نظره، ضياء النور الأزليّ، فيقول:

"كما أن النور لا يمكن أن يكون دون ضياء، كذلك الابن لا يمكن أن تنظر إليه منفصلاً عن الآب، هو الذي ندعوه ختم الجوهر، والكلمة، والحكمة. فكيف يمكن القول إنه كان زمن لم يكن فيه الابن؟ من يقول هذا القول يؤكّد أنه كان زمن لم تكن فيه حقيقة ولم تكن حكمة ولم تكن حياة. هذا كلّه من جوهر الله الآب، ولا يمكن أن بنزع عنه ولا أن يفصل عن جوهره"

إلاّ أن أوريجانوس، مع تأكيده وحدة الجوهر بين الآب والابن والروح، يعلن أن الآب أعظم من الابن، وأن الابن أعظم من الروح القدس. فالابن هو ملء لاهوت الآب، إلا أنّه باتّصاله بالعالم يمتدّ إليه ظلّ العالم. الآب هو الواحد، أمّا الابن فيتأثّر بالتعدّديّة، الآب هو واحد وبسيط، أمّا الابن فهو "مثال المثل وجوهر الجواهو" ومبدأ كلّ خليقة، وهو أقنوم الحكمة الذي يتضمّن كلّ إمكانات الخلائق المستقبلة وتصاويرها: "انه يحوي المبادئ أو التصاوير أو الأوجه لكلّ ما هو مخلوق". فالابن هو الحكمة، أمّا الآب فهو فوق الحكمة، الابن هو مبدأ الوحي للعالم، أمّا الآب فهو فوق الحكمة؛ الابن هو مبدأ الوحي للعالم، أمّا الآب فهو الإله الخفيّ.

والابن أعظم من الروح القدس، لأنه يسبقه في الكيان، مع أنّ أوريجانوس يشير إلى أنّ من يتّصل بالروح القدس، فكأنه اتّصل بالآب والابن.

إن فكر أوريجانوس اللاهوتي في عقيدة الثالوث الأقدس لا يزال يشوبه بعض الالتباس، وإنْ كان في عمقه منسجمًا مع الإيمان القويم.


  رد مع اقتباس