ثانياً: الظروف السياسية لنشأة البروتستانتية
إلى جانب الأسلوب المتحرر وربما المتحلل فى تفسير الكتاب المقدس، كانت الظروف السياسية التى نشأت فيها البروتستانتية سبباً آخر فى نشوء مدارس نقد الكتاب المقدس.
فحينما بدأ مارتن لوثر حركته المسماة بحركة "الإصلاح" (Reformation)، وكان يناوئ بابا روما بشأن أمور كثيرة مثل صكوك الغفران وزوائد فضائل القديسين وغير ذلك، كان ذلك فى ألمانيا، وكانت ألمانيا تصارع من أجل الاستقلال عن روما، وعن بابا روما، الذى كان ينصب الأباطرة ويعزلهم فى ذلك الزمان.
وبينما نادى لوثر بالتفكير والتفسير المتحرر (الليبرالى) للكتاب المقدس، بدأ أقطاب السياسة يسيرون بجواره، فى طريق التحرر من سيطرة البابا الرومانى على كنائسهم، وعلى بلدانهم. وهنا اتحد الدين بالسياسة، وتم استثمار التحرر فى تفسير الكتاب المقدس جنباً إلى جنب مع التحرر السياسى. وقامت المنازعات الدينية والصراعات السياسية، التى وصلت إلى حد الحرب.
فى هذا الجو الصاخب بدأت مدارس التفسير والتفكير المتحرر من التقليد الكنسى، والتفسيرات الآبائية، والكنائس الرسولية القديمة مثل الإسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية، وانفلت الزمام شيئاً فشيئاً، إلى أن ظهرت مدارس نقد الكتاب المقدس، التى بدأت تتعامل معه لا كنص إلهى، بل ككتاب عادى، خاضع للفحص والنقد والتمحيص، وحتى التشكيك. وهكذا بدأ بعضهم يشكك فى النصوص الكتابية ومصادرها، والبعض الآخر كانت لهم نظرات خاصة فى الموضوع الكتابى نفسه ككل!!