2- الحاجة إلى المرجعية
إنه احتياج نفسى هام، وإحتياج حياتى لا غنى عنه!! فالإنسان لديه إحتياجات نفسية هامة مثل: الحاجة إلى الحب، والأمن، والتقدير، والنجاح، والخصوصية، والإنتماء... وكذلك الحاجة إلى المرجعية! أى أن يكون له مرجع يرجع إليه فى كل خطوات وتفاصيل حياته، فى الحاضر، والمستقبل، وإلى الأبد!
ويرى الدارسون أن الإنسان عبر على ثلاث مراحل فى موضوع المرجعية، وهى :
1- مرحلة التدين الأخلاقى : وتواكب عصر الزراعة، وفيها كان المرجع هو التدين، وهو الله. وعاش الإنسان فى إيمان بالقوة العظمى الإلهية، التى تسقط الأمطار، وتصنع الأنهار، وتنمى البذار، وتشبع حاجات الإنسان الأساسية. وكان الله هو "الحقيقة المطلقة Absolute Reality" رغم كل التشويهات التى حدثت فى الوثنية (حيث لم يفهموا الله حسناً، وتجاهلوا صوت الله داخلهم، وتجليات الله فى الكون، والتقليد الشفاهى الموروث)، وكذلك فى العصور الوسطى (حيث تحكم الدين فى السياسة، وصار الإمبراطور خاضعاً لبابا الفاتيكان، مما أحدث ثورة مقابلة هى البروتستانتية، حيث أرادت ألمانيا أن تتخلص من نير روما، فجاءت الشطحات والتفسيرات المتحررة من التقليد الكنسى، والتسليم الآبائى، حتى وصلنا إلى مدارس نقد الكتاب)... وهذا ما تواكب مع المرحلة الثانية وهى:
2- مرحلة الحداثة (Modernism) : وتواكب عصر الصناعة، حيث بدا الإنسان يؤله عقله، ويترك الله والإيمان، ويرى فى العلم بديلاً للدين، فها هو يصنع السيارة والطيارة والماكينة والقطار... وها هو يرى فى عقله إمكانيات خلاقة، فأصبح هو المرجع الأول والأخير لنفسه، فما يقول به العقل، هو المقبول، وما لا يتفق مع العقل (علمياً وحسياً وفحصاً) فهو غير مقبول. ونسى إنسان هذا العصر أن الله هو الذى خلق العقل، كوزنة يجب أن تمجده، وأن المنجزات العلمية فيها ومضة glimpse من فوق، تنير العقل، وتلهمه بالصواب. فكل البشرية منذ آدم كانت ترى الثمار تسقط من الأشجار، لكن ومضة أشرقت فى ذهن نيوتن، فأكتشف قانون الجاذبية الأرضية! وكل الناس شاهدت غطاء البراد يهتز بقوة البخار، لكنه وحده الذى رأى فى البخار قوة تسيِّر القطار!
لهذا قال نيوتن حين سئل عن شعوره وهو يكتشف قوانين الطبيعة التى غيَّرت وجه الحياة على الأرض: "كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم"، كما قال اينشتاين: "كلما ازددت علماً، ازددت إحساساً بالجهاله!!"، فكلما وجد حلاً لمشكلة، ظهرت أمامه مشاكل أخرى كثيرة!!
إن العلم السليم يدعم الإيمان السليم. فالعلم مثل العين المجردة، والإيمان مثل التلسكوب، لا غنى لأحدهما عن الآخر. وبالإيمان يستنير العقل... "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله" (عب 3:11). الإيمان لا يصادر العقل، ولكنه فوق العقل. "وأنا أؤمن لكى أتعقل"... هكذا قال القديس أغسطينوس.
3- مرحلة ما بعد الحداثة : وهى ما نحياه فى العصر الحاضر، أو ما يسمى "ما بعد الحداثة" (Post - modernism)... وفيه تم الابتعاد عن المرجعين السابقين: الله، والعقل، وصار المرجع هو الـ "Culture"، أى "أسلوب الحياة"... وأصبح لكل إنسان أو مجموعة من البشر الأسلوب الذى يحبونه، ويتفق مع مزاجيتهم، ويجب أن يعيشوا بحسبه، بغض النظر عن الخطأ والصواب، فكل شئ مقبول، مادام لا يمسّ حرية الآخرين: أى دين، وأى مذهب، وأية أخلاقيات، وأى سلوك جنسى... الكل مقبول مادام لا يمسّ حريات الآخرين. ومن خلال هذا الـ Culture أصبح هناك كل شئ مباحاً: الجنس الطبيعى، والجنس الشاذ، وما هو أبشع من ذلك!! المهم أن "حريتك تنتهى عند طرف أنفك"!!، أى أن تفعل ما شئت دون أن تتدخل فى حرية الآخرين أو تسقط تحت طائلة القانون!
وأصبحت الفلسفة المعاصرة (New Age Movement) تقول: "All is God - All is Good - All is one"...
1- الكل هو الله : الإنسان والنبات والجماد (Pantheisme)، فكل الكون بمشتملاته "أجزاء" من الله الواحد...
2- الكل جيد ومقبول : أى دين، أى مذهب، أى سلوك جنسى، ليس هناك خطأ وصواب...
3- الكل واحد : فهذه الفلسفة ستجمع البشرية إلى واحد، بدلاً من الأديان التى تفرقنا!!