وهكذا فإن الجسم هو ـ بطريقة ما ـ علاقة الشخص وظهوره. ومبدأ الجسم الداخلي هو مبدأ روحي، وحضور الروح القدس فيه يظهر في كيف أن الشخص يتجاوز نفسه ـ بصورة دائمة ـ إلى أعلى من نفسه.
لذلك يلزمنا أن نقول بحق أن هدفنا النهائي هو التقديس الكامل والشركة في الطبيعة الإلهية بواسطة الروح القدس الذي ينتهي بنا إلى ملكوت الله. ونحن منذ الآن ـ ونحن في الجسد نستطيع أن نحصل على تذوق سابق لملكوت الله ـ الملكوت الذي يصير داخلنا من الروح القدس.
وهكذا فإن الجسم مخلوق في نفخة الروح لكي يصير هيكلاً للروح القدس. وكل حياة الجسم تقوم في أن يتابع بلا انقطاع هذا الهدف ـ هدف أن يكون هيكل الروح فعلاً وشخصيًا بكل ملء حضور الروح الحقيقي الذي يعني في النهاية حضور الثالوث القدوس.
ولكي يتحقق هذا الهدف، ولكي يتم تقديس الجسد حقيقةً بواسطة الروح القدس، سواء من الناحية الجنسية أو غير الجنسية، يحتاج الأمر جهادًا روحيًا مستمرًا، ويحتاج إلى تيقظ روحي، وإلى نسك روحي الذي أشرنا إليهم سابقًا. يقول القديس باسيليوس: [ الروح القدس حاضرًا عند الجميع ولكنه لا يظهر قوته إلاّ في الذين تطهروا من الأهواء].
وفي هذا الجهاد الذي لا نخوضه وحدنا بل المسيح يجاهد معنا، فقد أعطانا المسيح وسيلة التقديس العظمى وهى الافخارستيا، لكي نصير بها فعلاً "هيكل الروح القدس".
وإذا كنا حريصين على عدم إطفاء الروح القدس فينا بصفة مستمرة، حينئذٍ يصير جسمنا هو هيكله المقدس على الدوام. وبديهي أن سكن الروح فينا يصنع من كياننا "مسكن الثالوث القدوس"، ويختمنا الروح بختم علاقة شخصية وفريدة مع الثالوث. وهنا نجد سر الاخلاء الذاتي، أى سر تنازل الروح القدس الآتي إلى العالم. والذين يحيون في المسيح يشعرون أنهم موضوعون بواسطة الروح القدس في اتصال مباشر مع الله، هو اتصال كل لحظة، فهم يعيشون في الروح مغمورون بالروح، ويحسبون أن الروح يحيي كيانهم باستمرار من ينبوعه الذي لا ينضب.