5 ـ الجسد هيكل للروح القدس:
تُظهر الدراسات النفسية الحديثة التداخل العميق بين الجسد والنفس، واكتشفت تأثيرات عميقة بين النفس والجسد. فحالة النفس تؤثر في صحة الجسد، وحالة الجسد تؤثر في صحة النفس إلى حد كبير. وهذه الأبحاث أدت إلى ظهور ما يُعرف الآن بالطب النفسي الجسدي Psychosomatic Medicine، وهذا الفرع الجديد من العلم تقوم أمثلة دافعة على هذا التأثير والتأثر المتبادل بين النفس والجسد. وقد توصل العالم كلاكيس (Klages) إلى القول بأن الجسم هو "تعبير" النفس، والنفس هى "معنى" الجسم، وأن العلاقة بين الاثنين تشبه علاقة الفكر بالكلام، فالكلام يُعبّر عن الفكر والفكر لا يمكن الإمساك به بدون الكلام، ولكن الفكر يتجاوز الكلام ويفيض عليه من كل ناحية.
هذه العلاقة العميقة جدًا بين الجسد والكيان الشخصي للإنسان ظاهرة أيضًا في المجال الجنسي، وكما يقول القديس أغسطينوس وهو يتحدث عن الشهوة الجسدية والجهاد ضدها: [ مَن ليس روحانيًا حتى في جسده، يصير جسدانيًا حتى في روحه ].
ولنلاحظ أن الجسد له قيمة وكرامة عالية وهى أن يسمح للأشخاص بأن يتحدوا ويشتركوا معًا، فالجسد هو الواسطة التي يتحقق بها حضور نفس لنفس أخرى. وهكذا فإن الشركة بين أشخاص البشر هى عميقة جدًا وسرية جدًا.
ويبيّن أدلر العالِم النفساني الشهير في القرن العشرين، أنه بحسب توجيهنا لجنسيتنا يمكن أن تنحرف مثلاً نحو إرادة السيطرة على الآخر. ومن ناحية فبواسطة هذه الطاقة الجنسية نستطيع إذا أردنا أن نصل إلى الروح في الجسد، وإلى الأبد في الزمان. طبعًا إن الجانب التناسلي في الغريزة الجنسية غير قابل لأن ترتفع قيمته " فالمولود من الجسد جسد هو" (يو6:3). طبعًا الحياة الجنسية تتضمن جانبًا حيوانيًا غير قابل للتغيير، ولكن ما هو ليس بيولوجيًا تمامًا في الجنسية بل هو سيكولوجي أى نفسي نوعًا، فهذا يمكن أن يتحول ويتسامى وينتقل إلى خدمة الروح. فالغريزة في الجنس البشري مشحونة بالعواطف ومنعمة بالروحانية حتى أنها تستطيع في بعض الأشخاص أن تُمحى أمام متطلبات ارتقاء النفس، وذلك بدون أن تؤدى السيطرة ـ التي يمارسها الناسك أو الناسكة، على الجسد حينما يكون الأمر عفة وليس كبتًا ـ إلى أى نقص في قيمتهما الكاملة، سواء من الناحية الجسدية أو النفسية أو الأخلاقية الروحية. بسبب هذا اتفق اللاهوتيون على القول بأن حالة البتولية هى أسمى ـ في ذاتها ـ من غيرها. ولكن هذا السمو هو بفعل الروح القدس العامل في الناسك. يوجد في الإنسان قياس داخلي، أعلى من الجسم، وأعلى من الزمان والمكان، هذا القياس الداخلي يعطي للظهورات الزمنية والمكانية معناها.
إذًا فالإنسان هو نفسيًا ظهور الروح، فسيولوجيًا ونفسيًا معًا فإن الشخص البشري مؤلف ومكون لأجل حياة الروح وموجه إليها.