4 ـ الجسد والتجلى:
عندما تجلى المسيح على الجبل ظهر مجده الإلهى فى جسده. وعن طريق هذا الجسد رأى التلاميذ بأعينهم الجسدية أن " ملء اللاهوت حل فيه جسديًا" (كو9:2). كما أن مجد المسيح لم يكن مجدًا داخليًا خفيًا فقط بل ماديًا وجسديًا منظورًا. وهذا التجلى الذى حدث لجسد المسيح حدث مثله مع قديسين عديدين طوال التاريخ خاصة بين الآباء النُسّاك. فيخبرنا كتاب "أقوال الآباء الشيوخ" عن الأنبا صيصوى عند موته فيقول: [عندما كان تلاميذه يحيطون به، وهو على فراش الموت، كان وجهه يشع كالشمس وكان الضياء يزداد تألقًا ويغمر جسده حتى فارق الحياة، وعند ذاك صار النور برقًا خاطفًا وامتلأ البيت من رائحة الطيب]. كما يذكر نفس الكتاب: [أن الأنبا بامو قد تمجد بمجد جعل الذين كانوا يحيطون به يرتعدوا خوفًا ولا يجسرون أن يتفرسوا فيه. وكما أخذ موسى صورة آدم بمجده عندما لمع وجهه كذلك فقد شع أنبا بامو بأشعة براقة وصار كأنه ملك على عرشه].
وأحيانًا يتكلم كتاب "أقوال الشيوخ" عن النار بدلاً من أن يتكلم عن النور. كما ذكر عن الأنبا أرسانيوس أن أحد تلاميذه اقترب منه بصورة عفوية فوجده قائمًا يصلى وقد ظهر له الشيخ كأنه وسط نار. وكذلك عن الأنبا يوسف فى باقغو قال: [ووقف الشيخ ورفع يده إلى السماء فصارت أصابعه العشر كمشاعل فقال له: إذا أردت تصير كلك كالنار] وفى الحالتين سواء النور أو النار فإن الطاقات الإلهية غير المخلوقة تظهر بشكل نار كما فى ألسنة النار يوم الخمسين، أو شكل نور كما حصل لجسد المسيح على جبل التجلى أو لبولس فى طريق دمشق سواء نار أو نور فالحقيقة هى هى لا تتغير، وهذا التمجيد الجسدى ظهر بشكل قوى مع الراهب سيرافيم الروحى (المتوفى1833) "كنور يخطف الأبصار" حسب تعبير موتوفيلوف الذى شاهد تجلى سيرافيم وهذا يذكرنا بقول الإنجيل عن تجلى الرب: " تجلى أمامهم فأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور" (مت21:17).
ويذكر بستان الرهبان عن مكسيموس ودوماديوس أن نارًا كانت تخرج من فمهما أثناء الصلاة ليلاً. وهكذا يخبرنا كتاب سيرة الأنبا ابرآم أسقف الفيوم[3] الذى كان يُرى ليلاً فى قلايته بالمطرانية قائمًا يصلى ليلاً وكله نور والقلاية مملوءة بالنور. وهكذا أيضًا وُجدت بعض حالات التجلى فى الكنيسة الغربية.