3 ـ الصراع بين الجسد والروح:
يلزم أن ننتبه إلى ان الصراع بين الجسد والروح الذى يتكلّم عنه القديس بولس فى رسالة غلاطية (17:5) ليس هو صراع بين جسد شرير وروح صالحة، فإن الإنسان كله نفسًا وجسدًا صار تحت سلطان الخطية نتيجة معصية آدم. فالمسيح علّمنا أن " من القلب تخرج الأفكار الشريرة والقتل والزنى... إلخ". ويقول يوحنا كاسيان عن الصراع بين الروح والجسد أنه ينبغى ألاّ نفهم بكلمة الجسد الإنسان نفسه أى جوهر الإنسان بل لأن هاتين الرغبتين المختلفتين هما فى شخص واحد، فنحن دائمًا فى حرب أهلية داخلية". والقديس ديودوخوس يقول: "يوجد حس طبيعى واحد للنفس منقسم فيما بعد إلى نشاطين نتيجة معصية آدم". وأيضًا "إذا كان غُسل القداسة (المعمودية) ينتزع منا رجاسة الخطية، لكنه لا يغير الآن ثنائية إرادتنا".
إذًا فليس الجسم هو الشر كما تعلّم الغنوسية والمانوية. أما المسيحية فترفض كل عقيدة تقلل من قيمة الجسد أو تحتقره أو تعادله بقوة شريرة.
وعلى هذا الموقف يقوم أساس النُسك الجسدى فى المسيحية. فهو لا يهدف إلى إفناء الجسم بل إلى إخضاع الجسد للروح. وهذا يحتاج من الإنسان أحيانًا أن يكون صارمًا مع جسده، ورغم أنه حدثت تطرفات فى هذا المجال فى الواقع، ولكن الأمر المُسلّم به فى المسيحية هو رفض المغالاة فى النُسك والتقشف، رفض النُسك كهدف لذاته.
يقول الرسول بولس: " لا يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه" (أف29:5). ونفس هذا المنهج يعبر عنه الأنبا بيمن أب البرية بقوله: "نحن لم نتعلم قتل الجسد بل قتل الأهواء".