2 ـ من جهة التجسد الإلهى:
تجسد الكلمة باتحاد لاهوته بناسوته كشف لنا أن ابن الله اتخذ الجسم الإنسانى إلى الأبد. وحينما أتى الله ليخلّص الإنسان لم يأخذ نفسًا بشرية فقط بل أخذ جسدًا بشريًا أيضًا لأنه أراد أن يخلّص الإنسان كله روحه وجسده.
وقد رأى بعض الآباء أيضًا أن الإنسان ليس مخلوقًا على صورة الله فقط، بل إنه مخلوق على صورة ما سيكون عليه المسيح الكلمة المتجسد (غريغوريوس النيسّى مثلاً).
ونحن نعرف أن الطبيعة البشرية هى جزء لا يتجزأ عن شخص المسيح، فقد " تأقنمت" فى أقنوم الكلمة، ولهذا يحتفظ ابن الله بالجسد بعد الصعود، وهو جالس عن يمين الآب بجسده المُمجد.
إذن فالرؤية المسيحية للجسد هى أن الجسد مجهز باتخاذ المسيح له أن يشترك فى المجد السمائى ويجلس فى النهاية مع المسيح فى مجده السمائى عند مجيئه الثانى بعد إقامته لأجساد الراقدين وتمجيدها.
وعلى هذا الأساس، فإن المسيحية ترفض كل فكرة تجعل من الجسد عنصرًا مؤقتًا من الوجود، أو سجنًا للنفس أو مبدأ شر يجب محاربته فى ذاته. فالشر ينتج عن الإرادة وليس عن الجسم ذاته، كما يقول القديس أثناسيوس فى الرسالة إلى آمون الراهب[1]، بأن الجسم هو صنعة يدى الله ولا يمكن أن الله يخلق شيئًا شريرًا. بل إن القديس أثناسيوس يعلّمنا أن تجسد الكلمة أثر على وضع الجسد الإنسانى فيقول: [إننا فى المسيح نُحيا جميعًا بولادتنا من فوق من الماء والروح، فلا يعود الجسد فيما بعد أرضيًا بل يصير إلهيًا كالكلمة، وذلك بسبب كلمة الله الذى صار جسدًا لأجلنا][2].